المجموعة: ذو الحجة 1393هـ
الزيارات: 1636

حياة المسلم بين نصيبه من الدنيا وبين الجهاد في سبيل اللَّه

بقلم الأستاذ إبراهيم براهيم هلال

إذا نظرنا إلى حياة المسلم في الإسلام، وجدنا الإسلام يوجهها كلية إلى دين اللَّه، وما يراه للمسلم من نصيبه في الدنيا، فإنما هو في الواقع موجه إلى الدين وإلى الآخرة بما يشترطه الإسلام على المسلم أن يأخذ من هذا النصيب إلا في حدود الاعتدال وفي حدود الحلال، وفي الوقت نفسه، فإن الإسلام بين للمسلم أنه من الأوفق له أن يقصد بهذا النصيب، أو الحظ والمتعة الدنيوية وجه اللَّه والدار الآخرة ن كما قال تعالى:

{وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَة َلَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت: 64) أي هي الحياة الحقة الكريمة، وكما قال أيضًا: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (الأعلى: 17).

وفريضة الجهاد في سبيل اللَّه، هي في مقدمة التكاليف التي تنحو بحياة الإنسان نحو الآخرة، وتؤكد حق الإنسان العظيم في الحياة الكريمة في الحياة الآخرة والارتزاق عند اللَّه إذا قصر بالإنسان أجله ورزقه الشهادة: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ..... } (آل عمران: 169، 170). وهذا هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مثل المجاهدين في سبيل اللَّه، واللَّه أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكل اللَّه للمجاهدين في سبيله بأنه إذ يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة (رواه البخاري))).

ومن هذه الزاوية يجب أن ينظر الإنسان إلى حياته، فيمحضها لخير الآخرة وللوطن وللجهاد في سبيل اللَّه، ويعتقد أن ما يفوته من حظه في الدنيا سيلقاه جزاء وفاقًا في الآخرة، وأنه إذا ترك أولادا، أو أبوين أو زوجة فهم في رعاية اللَّه، واللَّه الذي تكفل بهم وبه في حيات، هو الذي يتكفل بهم بعد وفاته، وبهذا فالآخرة مكملة للدنيا، وجابرتًا لها، وأن ما يحرمه المرء في الدنيا فسيلقاه ويلقة أضعافه في الآخرة، إذا قابل اللَّه بقلب صابر سليم، فهما كل واحد، كلاهما متتم للآخرة.

ولهذا أمرنا أن لا نؤثر حق الدنيا على حق الوطن والآخرة، وإلا ضاعت علينا فرص نحن أحوج ما نكون إليها؛ إن في الدنيا وإن في الآخرة؛ وذلك كما جاء في قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24).

وهنا ليس بعد الدين شيء، وليس في الإسلام حق أتتمسك به، أو علة أتعلل بها، فلنسر مع اللَّه إلى الجهاد، وإلى المعركة لإعلاء كلمة اللَّه، وإعزاز دين اللَّه، واللَّه هو الوكيل بى، والمتكفل بكل ما حولى وما ورائى، وإلا فإذا تعلقت بهذه الأمور من الآباء، أو الأبناء أو بشيء من عرض الدنيا، فسيكلنى اللَّه إلى نفسى وإلى تلك الأمور وحينئذ لا تغنى من اللَّه فتيلا، ولن تنفع حين يتهددنى العدو ويستبيح حماى، ويحل بى أمر اللَّه من انخذالى أمام عدوى وعدو اللَّه، وتفوقه على حربا وسلما.

إن الجهاد هو باب النصر، والاعداد والإستعداد له هو سبيل العزة والكرامة فلا حياة لأمة ليس لها درع وسيف {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216).

وما لنا نكره القتال، وقد أخذ اللَّه على نفسه ابعهد في التوراة والأنجيل والقرآن، بأن اللَّه قدبدلنا بالدنيا ما هو خير منها وأبقى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وهنا لا مجال للموازنة بين الدنيا والآخرة، أو لا مجال للتعليق بالدنيا مهما ان لنا فيها من الأموال، أو الأولاد أو الأزواج أو التجارب أو المساكن الجميلة، فهى لا تزن أمام الجنة جناح بعوضة. ولكن نفس الإنسان حين يقدمها طائعًا مخلصًا في سبيل اللَّه. فهى تساوى عند اللَّه جنة عرضها السموات والأرض: {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 111).

فثقوا بأنفسكم. واعرفوا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأننا أولى الناس بالعزة والقوة، لما حملنا إياه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من تلك الرسالة السماوية التي هي سعادة، وهدة وضياء وعزة وعدل وخير لمسلمين وغير المسلمين. فما أجدر حامليها بمركز السيادة والعزة، وما أحدهم أيضًا بالعمل من أجل هذه السيادة وتلك العزة. وما أولاهم بناء على ذلك بالوصول إلى النتائج القيمة لذلك العمل المجيد {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55). واللَّه الموفق الهادى إلى سواء السبيل.