الحج

الحج

بقلم فضيلة الشيخ / السيد سابق

مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف

الحج عبادة من العبادات التي قررتها جميع الأديان السماوية.

وهو في الإسلام القصد إلى بيت الله بمكة المكرمة لأداء عبادة الطواف والسعي والوقوف بعرفة وسائر المناسك استجابة لأمر الله وابتغاء وجهه الكريم.

وهو أحد الأركان الأساسية في الإسلام.

وهو نوع من السلوك ولون من ألوان التدريب العملي على مجاهدة النفس من أجل الوصول إلى المثل الأعلى. والاندماج في حياة روحية خالصة تمتلئ فيها القلوب بحب الله وتنطلق الحناجر هاتفة بذكره مثنية عليه.

بينما يرتدي المرء ملابس الإحرام وهي ملابس خالية من الزينة ومن كل ما يثير في النفس دواعي العجب والخيلاء يقول اللَّه تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ).

تشير هذه الآية إلى أن المرء حينما يدخل في إعمال الحج عليه أن يعيش في جو العفاف والأدب العالي فلا يتدلى إلى رفث ويميل إلى فوسق ولا ينطق بكلمة طائشة أو ينظر نظرة فاحشة.

كما تشير أيضًا إلى فعل الخير وهو عمل إيجابي يحمل المؤمن أن يهتم به ويحرص عليه وهو رحلة سياحية لتجميع أكبر عدد ممكن من أفراد الأمة الإسلامية ليشهدوا المنافع التي تعود عليهم بالخير والبركات سواء أكانت منافع روحية أم منافع اقتصادية أم منافع سياسية.

وأن فيه تعارف الشعوب الإسلامية وتوحيد غاياتهم التي توجههم الوجهة التي تأخذ بأيديهم إلى حياة القوة والعزة والعلم والفضل بما يفيد بعضهم من بعض ومن تبادل الآراء المختلفة والثقافات المتنوعة.

ويمكن عقد معاهدات واتفاقات في مواسم الحج ودراسة الوسائل لتيسير التبادل الاقتصادي والثقافي مما تحتاج إليه هذه البلاد.

ويبدأ أعمال النسك بأن يأخذ من شاربه ويقص شعره وأظفاره ويغتسل أو يتوضأ ويتطيب ويلبس لباس الإحرام فإذا بلغ الميقات صلى ركعتين وأحرم أي نوى الحج أو نوى الحج والعمرة معًا أو نوى العمرة أولاً.

وفي حالة ما إذا نوى الحج وحده يسمى مفردًا، فإذا نوى الحج والعمرة سمي قارنًا، فإذا نوى العمرة أولاً سمي متمتعًا.

وهذا الإحرام ركن لا يصح النسك بدونه.

أما تعين نوع النسك من إفراد أو تمتع أو قران فليس فرضًا.

ولو أطلق النية ولم يعين نوعًا خاصًا صح إحرامه.

وله أن يفعل أحد الأنواع الثلاثة.

وبمجرد الإحرام تشرع له التلبية بصوت مرتفع كلما علا شرفًا أو هبط واديًا أو لقي ركبًا أو أحدًا وفي الأسحار وفي دبر كل صلاة.

ولفظ التلبية كما جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

كما روى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: إن تلبية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لا شريك لك".

وعلى المحرم أن يتجنب الجماع ودواعيه، ومخاصمة الرفاق وغيرهم والجدل فيما لا فائدة فيه وإن لا يتزوج ولا يزوج غيره.

ويتجنب أيضًا المخيط والحذاء الذي يستر ما فوق الكعبين.

ولا يستر رأسه ولا يمس طيبًا ولا يحلق شعرًا، ولا يقص ظفرًا ولا يتعرض لصيد البر مطلقًا ولا لشجر الحرم وحشيشه.

فإذا دخل مكة المكرمة فليتجه إلى الكعبة فيدخلها من باب السلام ذاكرًا أدعية دخول المسجد ومراعيًا آداب الدخول وملتزمًا الخشوع والتواضع والتلبية.

فإذا وقع بصره على الكعبة رفع يديه وسأل الله من فضله وذكر الدعاء المستحب في ذلك ويقول في خضوع وضراعة:

أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله، اللهم صلى على محمد وآله وسلم. اللهم اغفر لي ذنوب، وافتح لي أبواب رحمتك.

فإذا وقع نظره على البيت رفع يديه وقال:

"اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا، اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا السلام.

ثم يقصد إلى الحجر الأسود فيقبله بدون صوت، فإن لم يتمكن استلمه بيده، وقبلها، فإن عجز عن ذلك أشار إليه بيده، ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف. ولا يصلي تحية المسجد، فإن تحيته الطواف به إلا إذا كانت الصلاة المكتوبة مقامه فيصليها مع الإمام، وكذلك إذا خاف الوقت يبدأ به فيصليه إذا لم يكن قد صلاه.

ويستحب له أن يضطيع ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي على هينته في الأشواط الأربعة الباقية ويسن له استلام الركن اليماني وتقبيل الحجر الأسود في كل شوط. فإذا فرغ من طوافه توجه إلى مقام إبراهيم تاليًا قول الله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، فيصلي ركعتي الطواف ثم يأتي زمزم فيشرب من مائها ويتضلع منه. وبعد ذلك يأتي الملتزم فيدعو الله عز وجل بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ثم يتسلم الحجر ويقبله ويخرج من باب الصفا إلى باب المروة تاليًا قول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية. ويصعد عليه ويتجه إلى الكعبة.

فيدعو بالدعاء المأثور ثم ينزل فيمشي في المسعى ذاكرًا داعيًا بما شاء.

فإذا بلغ ما بين الميلين هرول ثم يعود ماشيًا على رسله حتى بلغ المروة فيصعد السلم ويتجه إلى الكعبة داعيًا ذاكرًا. وهذا الشوط الأول.

وعليه أن يفعل ذلك حتى يستكمل سبعة أشواط.

وهذا السعي واجب على الأرجح. وعلى تاركه كله أو بعضه دم.

فإذا كان المحرم متمتعًا حلق رأسه أو قصر. وبهذا تتم عمرته ويحل له ما كان محظورًا من محرمات الإحرام حتى النساء.

أما القارن والمفرد فيبقان على إحرامهما.

وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم المتمتع من منزله ويخرج هو وغيره ممن بقي على إحرامه إلى منى فيبيت بها.

فإذا طلعت الشمس ذهب إلى عرفات ونزل عند مسجد نمرة واغتسل وصلى الظهر والعصر جمع تقديم مع الإمام يقصد فيهما الصلاة.

هذا إذا تيسر له أن يصلي مع الإمام. وإلا صلى جمعًا وقصرًا حسب استطاعته ولا يبدأ الوقوف بعرفة إلا بعد النزول.

فيقف بعرفة عند الصخرات أو قريبًا منها.

فإن هاذ موضع وقوف النبي صلى الله عليه وسلم.

والوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم.

ولا يسن ولا ينبغي صعود جبل الرحمة.

ويستقبل القبلة ويأخذ في الدعاء والذكر والابتهال حتى يدخل الليل.

فإذا دخل الليل أفاض إلى المزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير ويبيت بها.

فإذا طلع الفجر وقف بالمشعر الحرام وذكر الله كثيرًا حتى يسفر الصباح.

فينصرف بعد أن يستحضر الجمرات ويعود إلى منى.

والوقوف بالمشعر الحرام واجب يلزم بتركه دم.

وبعد طلوع الشمس يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات.

ثم يذبح هديه إن أمكنه ويحلق شعره أو يقصره.

وبالحلق يحل له كل ما كان محرمًا عليه ما عدا النساء.

ثم يعود إلى مكة فيطوف بها طواف الإفاضة وهو طواف الركن.

فيطوف كما طاف طواف القدوم.

ويسمى هذا الطواف أيضًا طواف الزيارة.

وإن كان متمتعًا سعى بعد الطواف.

وإن كان مفردًا أو قارنًا وكان قد سعى عند القدوم فلا يلزمه سعي آخر.

وبعد هذا الطواف يحل له كل شيء حتى النساء.

ثم يعود إلى منى فيبيت بها والمبيت بها واجب يلزم بتركه دم.

وإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر من ذي الحجة رمى الجمرات الثلاث مبتدئًا بالجمرة التي تلي منى ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف بعد الرمي داعيًا ذاكرًا ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها.

وينبغي أن يرمي جمرة بسبع حصيات قبل الغروب.

ويفعل في اليوم الثاني عشر مثل ذلك.

ثم هو مخير بين أن ينزل إلى مكة قبل غروب اليوم الثاني عشر وبين أن يبيت ويرمي في اليوم الثالث عشر.

ورمي الجمار واجب يجبر تركه بالدم.

فإذا عاد إلى مكة وأراد العودة إلى بلاده طاف طواف الوداع.

وهذا الطواف واجب.

وعلى تاركه أن يعود إلى مكة ليطوف طواف الوداع إن أمكنه الرجوع. ولم يكن قد تجاوز الميقات، وإلا ذبح شاة، ويؤخذ من كل ما تقدم أن أعمال الحج والعمرة هي الإحرام من الميقات.

والطواف والسعي، والحلق.

وبهذا تنتهي أعمال العمرة بعرفة ورمي الجمار وطواف الإفاضة.

والمبيت بمنى والذبيح والحلق أو التقصير.

هذه هي خلاصة أعمال الحج والعمرة.