مثقفون لا مقلدون

مثقفون لا مقلدون

للأستاذ الدكتور / أمين رضا

أستاذ جراحة العظام والتقويم

(جامعة الاسكندرية)

إنني أرجو أن يصبح أولو الألباب في هذه الأمة مثقفين لا مقلدين. أرجو أن يكونوا دميين يحكمون عقولهم لا قردة وببغاوات ينقلون ما يرون وينقلون ما يسمعون دون تعقل أو روية. أرجو أن تكون ثقفاتهم المدنية العلمية التقدمية ثقافة حقيقية لا تقليدية ظاهرية، وألا تكون ثقافتهم الدينية تقليدا لما كان عليه الآباء والأجداد، ولا ترديدًا لما قالوه أو انقياد أعمى لما فعلوه بل وعيا للدين الأصيل المنير الذي نزل من عند اللَّه على رسله الكرام لا ما أضيف إليه من الأهواء والخرافات والشطحات التي تسئ إلى الدين وتشوهه وتخلطه.

الثقافة المدنية العلمية

إن الصورة التي يرسمها شباب اليوم منهم والفتيات صورة عجيبة تعكس بعض ما يرونه في شباب الغرب من مظاهر، ينقلونه كما تعكس المرآة صورة من يقف أمامها بكل أمانة وبكل التفاصيل. ولكنها لا تعكس اللب أو الجوهر، ولا العقل أو القلب، فهم لا يعتبرون أنفسهم قد حصلوا على قسط من المدنية إلا إذا دخنوا السجائر والسيجار وعرفوا صانعيها وأنواعها وأسعارها. واحتسوا الخمر وعرفوا صانعها وألوانها وطعمها. واستمعوا إلى المذياع فلا يخطون خطوة إلا والراديو الترانزوستور معلق في أيديهم أو على أكتافهم. وشاهدوا التليفزيون، وحضروا جميع أو أغلب حفلات السينما: ولا يسمعون نغمة من أنغام الموسيقى إلا واهتزت أجسامهم اهتزازات منتظمة أو غير منتظمة حسب النغمة التي يسمعونها، وهم يعرفون حجميع أنواع الرقصات الشرقية والغربية وأسمائها وأسماء مبتدعيها. وهم يقلدون شباب الغرب فتيانا وفتيات في مظاهرهم. فتارة يظهرون في مظره (الخنافس) وتارة أخرى في مظهر (الهيبز)، ولا يعلمون أن هذه المظاهر ترمز إلى التشرد والضياع.

أما ملابس البنات فهي متقلبة، فيوما تجدهن حاسرات، والحسر يوما يكون عن أعلى أجسامهن أي على الذراعين والكتفين والرقبة والجيب والنهدين. ويوما آخر أسفل أجسامهن أي عن الساقين والركبين والفخذين. وفي آونة أخرى تجدهن كاسيات بملابس طويلة وسراويل.

أما ملابس الشبان فقد أصبحت لها هي أيضا (موضة) بعد أن كات الموضة قاصرة على النساء. وأصبح الرجال يتقلبون في ملابسهم حسب ما يرون من شباب الغرب والشرق.

نحمد اللَّه على أن الأقلية فقط من شبابنا المثقفين وشاباتنا المثقفات هم الذين قد أصيبوا بمرض التقليد في هذه المظاهر المختلفة. ولكن العدوى شديدة والمرض خطير ووسائل أعلامنا تساعد مساعدة فعالة في انتشار الداء.

إن السبب في تفشى هذا المرض بين شبابنا هو أنه اغتر بكل ما هو مستورد. وظنوا أن هذه المظاهر هي التي تدل على العلم والثقافة والمدنية؛ فغرقوا فيها دون أن يلحظوا أن هذا الغرب أشياء أخرى بجانب هذه القشور. أشياء أخرى تدعم اقتصادهم وصناعتهم ومخترعاتهم. أشياء أخرى هي دعامة ثقافتهم. ألا وهي العلم والتعلم. أما هذه القشور المتداعية فليست هي التي أوصلتهم إلى اختراع القنبلة الذرية أو التي صعدت بهم إلى القمر.

أما شبابنا فإنه إذا استمر على هذا التيار فسيتقن الرقص واللبس والتدخين وتذوق الخمر ومعرفة أحوال الممثلين والممثلاث والمغنين والمغنيات ولكنه لن يصبح شبابا مثقفا.

التقافة الدينية:

إن كل من يعتنق دينًا من الأديان يعتقد أن دينه هو طريق إلى السعادة الأبدية. فإن كل الأديان السماوية تعد من ينفذ تعليماتها بنعيم الجنة.

والدين هو العلم الذي يدخلنا الجنة فلا يمكن أن يستحق أحد هذا النعيم عن جهل. ولا يحظى بالجنة كذلك أحد صدفة، كالصدفة التي تكسب بعض الناس الآلف في لمح البصر عن طريق سحب اليانصيب أو شهادات الاستثمار. بل لا بد للمرء أن يسعى لها سعيها.

بناء على ذلك فكل منا إما أن يكون كافرًا بجميع الأديان ولا اعتقاد له في آخرة يلقى فيها جزاءه على عمله في الدنيا. وإما أن يكون له أعتقاد في دين من الأديان. والاعتقاد في دينه لن يوصله إلى غايته. والعصب له لا يكفي. والعمل بلا علم لا يكفي. فلا بد لكل منا أن يتعلم دينه.

ولا يقولن أحد كيف نتعلم الدين ولكل دين علمتؤه وأحباره ومشايخه وقساوسته، فلن يغنى عنا كل هؤلء من اللَّه شيئا. فكل من سيحاسبه اللَّه وحده ولا اعتذ1ر يوم الحساب عن عدم العمل أو بالجهل. لأن تعلم الدين ميسر للجميع والحرية الدينية مكفولة للجميع في كل بلاد العالم إلا النادر منها.

هناك نوع من المتدينين يقول لك أنه يعرف الغيب في حين أنه لا يعلم الغيب إلا اللَّه. وأن له معجزات وكرامات مثل الأنبياء. هذا النوع لا تصدقوه ولا تقلدوه. فهو إما مريض أو محتال. أو أو تهيأ له خيالات يتحدث عنها وهو لا يدرى أنه يهذى. ومن هذا حاله ليس من الدين في شيء، بل منه برئ.

وهناك نوع آخر من المتدينين كثير العبادة، كثير الاستعمال للسبحة، كثير الصلاة، كثير الصوم. ولكن لا يظهر أثر ذلك في علاقاته مع الناس. وهذا النوع من الناس لا تصدقوه أيضا ولا تقلدوه. لأن حالته لا تدخله في ديننا دين الإسلام ولا تدخله في أي دين من الأديان.

ويوجد نوع ثالث من المتدينين يتمسح بالقبور ويتحدث مع الأموات فيها طابا منهم ما لا يطلبه من اللَّه العلى القدير السميع البصير المجيب للدعاء، ويقين الحفلات تكريما لهم وإحياء لأعياد ميلادهم. هذا النوع من الناس لا تدخله أعماله هذه في ديننا الإسلام ولا في أي دين آخر.

وتوجد أنواع أخرى من المتدينين يتبعون طرقا غير الطرق التي رسمتها الأديان، ويجب على شبابنا تمييز هذه الأنواع لتجنبها.

إن التقليد أعمى كثيرًا من الأجيال المتتالية فأرسى جوانب صرح كبير من الأشياء التي يصنعها الناس ويسمونها (تقليد) وكل جيل يتلقف تقاليد الجيل الذي سبقه ويضيف إليها. وليتهم تلقفوا من السلف أصول العمل الصالح، وأصول العلم الإسلامى الذي سيدخلهم الجنة لا تلك التقاليد البالية التي تبعدهم عنها.

إن التقاليد هي التي جعلت القرآن مهجور لأنه يستعمل الآن في الترنيم والغناء. ويقرأ على الموتي وعلى قبورهم وعلى أرواحهم، وفي ذكراهم. وتكتب منه مصاحف صغيرو لا تقرأ بل يقصد لبسها على الصدور للزينة ولدفع المكروه. وتكتب منه مصاحف مزينو ومذهبة ومغطاة بالقطيفة الفاخرة، لتوضع على رؤوس المرضى في أسرتهم في المستشفيان وعلى رؤوس الأطفال وعلى رؤوس كل الناس في بيوتهم. وتصنع منه لوحات فنية توضع على إطارات تزين بها الحوائط، إلى غير ذلك من طرق اللهو والعبث. أما أن يقرأ المرأ القرآن ليبحث فيه ويدرسه وليتبعه فهذا من النادر، وإنني أخيب بالمثقفين ألا يقلدوا من (استعمل) القرآن بجهل. فعليهم أن يعكفو عن دراسة كتابهم وتنفيذ أحكامه واتباعه فيصبحوا بذلك مثقفين دينيًا لا مقلدين كأغلبية أهل هذا العصر.

الخلاصة

والخلاصة أن الثقافة الحقيقية تدعو إلى عدم التقليد. وعدم العمل بغير دراسة وتعلم. فالدين له مراجعه ودراساته. والعلم المعاصر له مراجعه ودراساته أما هذه القشور والمظاهر في كل من الدين والعلم فلا أساس لها ومن أراد أن يكون مثقفا حقا فليبتعد عن التقليد وليبن علمه ودينه على الدراسة لا على الخرافة. وبذلك يكون موفقا في دينه ودنياه، وفي عقيدته ومدنيته.