شهر رجب وما ورد فيه من فضائل

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وآله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد:

🖋️ فإن الله اصطفى بعض الأزمان بمزيد فضل منه فأحل فيها بركته، ومن هذه الأزمنة الفاضلة شهر رجب الفرد، وهو الشهر السابع من الأشهر القمرية.

⬅️ وقد سمي رجبًا من الترجيب، لتعظيم العرب له، فالترجيب: التعظيم. [مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي عياض: 1/ 282].

⬅️ وهو أحد الأشهر الحرم التي اصطفاها الله تعالى من أشهر السنة القمرية الاثني عشر، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]

والأشهر الحرم أربعة أشهر:

ثلاثة سرد، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وشهر فرد، وهو: شهر رجب، ويأتي بعد شهر الله المحرم بخمسة أشهر، وهي: صفر، وربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادى الأولى، وجمادى الثانية.

فهو الشهر السابع من أشهر السنة الهجرية؛ ولذلك سمي رجبًا الفرد؛ لوقوعه منفردًا عن بقية الأشهر الحرم الثلاثة.

🪜والأشهر الحرم كانت معظمة في الجاهلية تعظيمها في الإسلام، وكان أهل الجاهلية يتركون فيها القتال خاصة شهر رجب حتى سموه مُنَصِّلَ الأسنة، أي: مخرج الأسنة _نصل الرمح أو نصل السهم _ من أماكنها،

 📍 ومما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري (4117) عن أبي رجاء العطاردي رضي الله عنه قال: «كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: مُنَصِّلَ الأسنة؛ فلا ندع رمحًا فيه حديدة، ولا سهمًا فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب».

📍ومن هذا ما رواه البيهقي في شعب الإيمان (8 / 323 / 3646) عن قيس بن حازم وقد ذُكِرَ شهر رجب قال: «كنا نسميه الأصم في الجاهلية من حرمته، أو شدة حرمته في أنفسنا».

وهذا الشهر كانت تعظمه في الجاهلية قبيلة مضر أكثر من سائر العرب، ولذلك كان يسمى رجب مضر

 📍فعن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته، فقال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» [أخرجه البخاري 3197، ومسلم 1679].

قال أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في غريب الحديث (3 /6): «سماه: رجب مضر؛ لأن مضر كانت تعظمه وتحرمه، ولم يكن يستحله أحد من العرب إلا حيان: خثعم وطيء فإنهما كانا يستحلان الشهور.

 وكان الذين ينسئون الشهور أيام الموسم يقولون: حرمنا عليكم القتال في هذه الأشهر إلا دماء المحلين، فكانت العرب تستحل دماءهم خاصة في هذه الشهور لذلك».

ولشهر رجب في لسان العرب أسماء كثيرة، فقد نقل الحافظ ابن حجر في تبيين العجب (ص 21) عن ابن دحية أن لشهر رجب ثمانية عشر (18) اسمًا منها الأسماء الثلاثة السابقة -رجب الفرد، رجب الأصم، ورجب مضر-، وكثرة أسماء الشيء تدل على تعظيمه، وهذه الأسماء هي إلى الأوصاف أقرب.

والأشهر الحرم معظمة عند الله كما سبق دليل ذلك من سورة التوبة في أول المقال، وقد قال الله تعالى أيضًا: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]، أي: لا تظلموا أنفسكم في سائر السنة بانتهاك المحرمات، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فقال: ولا تحلوا الحرمات في الشهر الحرام، فعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وكذا العمل الصالح فيهن بالأجر أعظم. 

قلت: ومما ورد صحيحًا في السنة، وهو مشعر بفضل شهر رجب:

📍 حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: «قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» رواه أحمد (21801)، والنسائي (2356).

ففي الحديث إشعار بأن شهر رجب يشابه رمضان، وأن الصحابة كانوا يشتغلون فيه بالعبادة كما يشتغلون برمضان؛ فينشغلون بهما عن نظير ذلك في شهر شعبان، وفي تقرير ذلك ما يدل على مشروعية الصوم في رجب بل على استحبابه، لكن بغير تخصيص أيام بعينها فيه.

⬅️و مما ورد فيه من الضعيف الذي ينجبر:

📍 حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنّهُ: «أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته.

فقال: يا رسول الله أما تعرفني؟

قال: ومن أنت؟

قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول.

قال: فما غيرك وقد كنت حَسن الهيئة؟

قال: ما أكلت طعامًا منذ فارقتك إلا بليل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِمَ عذبت نفسك؟

ثم قال: صُم شهر الصبر، ويومًا من كل شهر.

قال: زدني فإن بي قوة.

قال: صم يومين.

قال: زدني.

قال: صم ثلاثة أيام.

قال: زدني.

 قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك.

وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها». [أخرجه أبو داود 2430، 1741، والنسائي في الكبرى 2743].

والحديث: ضعيف، قال الحافظ في تبيين العجب (ص 30): في إسناده مَن لا يُعرف.

فهذا يدل على فضل صيام الأشهر الحرم في الجملة، ومن ضمنها شهر رجب.

🕒 أما تخصيص رجب بالصيام فسيأتي أنه لم يرد فيه حديث صحيح يصلح للحجية يدل على مشروعية تخصيصه أو شيء من أيامه بالصيام، بل كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ينهى عن صومه نهيًا شديدًا:

📍 فعن خرشة بن الحر قال: «رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام، فيقول: رجب وما رجب إنما رجب شهر كانت تعظمه الجاهلية فلما جاء الإسلام ترك». [أخرجه ابن أبى شيبة (9758)، والطبراني في الأوسط (7636)، وقد صحح الألباني سند ابن أبي شيبة في إرواء الغليل (4 / 113)].

والتحقيق في هذا ما قاله الحافظ ابن حجر في تبيين العجب، قال (ص 70 _71): «فهذا النهي منصرف إلى من يصومه معظمًا لأمر الجاهلية.

أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتمًا، أو يخصّ منه أيامًا معينة يواظب على صومها، أو ليالٍ معينة يواظب على قيامها، يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثني فلا بأس به، فإن خصّ ذلك أو جعله حتمًا فهذا محظور».

 ⬅️ وقد ورد في فضل شهر رجب، وفي فضل بعض أيامه ولياليه، وفي تخصيص بعض العبادات فيه كالصلاة والصيام عدد كبير من الأحاديث، لكن لا يصح منها شيء فيه، وهي دائرة بين الضعف الشديد الذي لا ينجبر وبين النكارة بل الوضع، وكذا ابتدع فيه الناس كثير من العبادات التي ليس لها أصل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البيهقي في شعب الإيمان (8 /319): «روي في هذا الباب أحاديث مناكير في رواتها قوم مجهولون وضعفاء، وأنا أبرأ إلى الله تعالى من عهدتها».

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/29): «وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها. وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات».

وقال ابن قيم الجوزية في المنار المنيف (ص 96): «وكل حديث في ذكر صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترًى».

وقال الحافظ ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص 26): ««لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه؛ حديث صحيح يصلح للحجة. وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ ...

لكن اشتهر أن أهل العلم يتسمحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة.

وينبغي مع ذلك اشتراط:

  أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفًا.

• وألا يشهر ذلك:

 _ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف؛ فيشرع ما ليس بشرع.

_ أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.

وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ: أبو محمد بن عبد السلام وغيره.

  وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين) فكيف بمن عمل به؟

• ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو الفضائل؛ إذ الكل شرع».

🏕️ قلت: وقد أفرد الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - أحاديث شهر رجب بمؤلف سماه: "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"؛ نصحًا للأمة وإجابة لبعض السائلين، وقد ذكر الحافظ في تبيين العجب ثمانية وثلاثين حديثًا منها المرفوع ومنها الموقوف.

وقسم الكتاب على مقدمة، وثلاثة فصول.

ذكر في المقدمة فضل رجب، وأسماءه، وما ورد غير صريح في فضل الصوم خاصة فيه، وقد ذكر في هذه المقدمة ثلاثة أحاديث.

  ثم انتقل إلى ذكر الأحاديث الصريحة فيه، فقال (ص 33): «وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة.

ونحن نسوق الضعيفة، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة». 

وقد قسم هذا القسم من كتابه إلى ثلاثة مقاصد رئيسة:

1️ المقصد الأول: ذكر فيه ما ورد في شهر رجب من الأحاديث الضعيفة، وبيّن أنها شديدة الضعف ضعفها لا ينجبر، وعددها: عشرة أحاديث ساقها، تبدأ من الحديث: الرابع وتنتهي بالحديث: السادس على الترتيب، ثم ذكر سبعة أحاديث أخرى ضعيفة، وهي الأحاديث: 21ـ 22 ـ 24 ـ 25 ـ 26 ـ 27 ـ 28.

2️ المقصد الثاني: ذكر فيه ما ورد في شهر رجب من الأحاديث الباطلة والموضوعة والمكذوبة، قال في أول هذا المقصد (ص 20): «وورد في فضل رجب من الأحاديث الباطلة أحاديث لا بأس بالتنبيه عليها لئلا يغتر بها، فمنها...». وعددها: واحد وعشرون حديثًا، تبدأ بالحديث السابع، وتنتهي بالحديث العشرون، ثم الأحاديث: 23، 29.

ويلاحظ القارئ الكريم: أن الشيخ المصنف لم يفرد كل قسم من القسمين اللذين ذكرهما بفصل وحده، بل اختلطت أحاديث القسمين، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

3️ المقصد الثالث: ذكر فيه ما ورد من الأحاديث في النهي عن اتخاذ رجب عيدًا، أو الاعتقاد بأنه معظم كما كان في الجاهلية، أو أنه أفضل من غيره من الشهور، وذكر أنه لا يجوز شيء من الأعمال العبادية فيه، حيث كانت تابعة لهذا المقصد، وقد ذكر فيه تسعة أحاديث.

⛺🏕️ من الأحداث التي وقعت في شهر رجب: 🏕️⛺

1️ هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة سنة خمس من النبوة.

2️ مات فيه النجاشي رضي الله عنه بالحبشة سنة تسع من الهجرة، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

3️ غزوة تبوك إلى الروم التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم وذلك سنة: تسع من الهجرة.

4️ فتح دمشق سنة 14هـ على يد أبي عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد.

5️ معركة الزلاقة بالأندلس سنة: 479ه، وانتصر فيها المسلمون بقيادة يوسف بن تاشفين.

6️ استعادة بيت المقدس من الصليبيين وإخراجهم من بلاد الشام على يد صلاح الدين الأيوبي سنة: 583 هـ.

 ■■🏕️ ولم يثبت أن الأسراء وقع في شهر رجب وإن ذكره بعض القصاص، وقد نقل الحافظ في تبيين العجب عن ابن دحية قوله: «وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، قال: وذلك كذب». ينظر: تبيين العجب (ص 23).

■■ من البدع في شهر رجب: ■■

لا شك في فضل شهر رجب لما سبق وغيره، لكن لا يعني هذا جواز الإحداث في الدين فالعبادات توقيفية؛ لا يجوز فعل شيء منها إلا بدليل من الكتاب وصحيح السنة، ولم يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حديث في تخصيص رجب بعبادة معينة.

ومن البدع التي يفعلها بعض الناس فيه:

1️ صلاة الرغائب في الجمعة الأولى من رجب.

وللعز بن عبد السلام رسالة في بيان بدعيتها وبيان أن ما ورد فيها فهو موضوع اسمها: الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة.

قال النووي في المجموع (4 /56): «الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتي عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب. وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة. وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما؛ فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك.

 وقد صنّف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابًا نفيسًا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله».

2️ صلاة وأعمال أم داود في نصف رجب، وهي من بدع الشيعة.

3️ تخصيص زيارة المقابر بشهر رجب، والتصدق عن روح الموتى فيه.

4️ تخصيص رجب بأدعية وأذكار معينة لم يصح فيها حديث.

5️ الاحتفال ليلة السابع والعشرين من رجب بالإسراء والمعراج.

نسأل الله أن يهدينا لكل ما يرضيه عنّا ويُجنّبنا مساخطه، والحمد لله رب العالمين.