الأجيال القديمة هي السبب
الأستاذ الدكتور: أمين رضا
أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة اسكندرية
كثيرًا ما يتفقد النقاد الجيل الجديد، ويتهمونه بكل أنواع الاتهامات. بالتخلف في أخلاقياته، وبالنقص في دينه، وبعدم الإرتفاع إلى مستوى المسئولية، وبغير ذلك ما يجده الكبار في الصغار من مآخذ. ولا يشعر الجيل القديم. أى الآباء والأجداد. أن ما يراه في الجيل الجديد. أي الأبناء والأحفاد - إنما هو من صنه يديه فهو الذي أنتجه وعمله ووجهه، وهو المبي والمثل الأعلى له، وكل عيب نجده في الجيل الجديد، سنجده في الجيل القديم، لأنه أخذ هذه العيوب منه يل وزاد فيها واجتهد أ، يظهر أبرع في هذه العيوب عن الجيل القديم.
التدخين: ألم نرى بأعيننا جيلا مضى من زمن بعيد كان التدخين فيه حلالا للكبار حراما على الصغار؟ ثم أصبح تدريجيا مسموحا للصبية دون الفتيات، بشرط ألا يكون ذلك أمام الكبار أو أمام الأبوين. وتلا ذلك جيل أصبح فيه التدخين حقًا مباحًا للمرأة مثل الرجل. فالمرأة تريد أن تتساوى مع الرجل، في الخير والشر، فيما يفيدها وفيما يؤذيها، وربما برعت فيما يؤذيها أكثر. وأصبح الأولاد والبنات لا يرون غضاضة في أن يمارسوا عادة التدخين جهارًا أمام الأباء والأجداد. ولم لا؟ ألم يكن الآباء والأجداد معلمين لهم ومثلهم الأعلى في التدخين؟ علموهم طريقة التدخين وأنواعه. قالوا لهم مزاياه وتأثيره على (المزاج) ولكنهم أخفوا عنهم مضاره ومضاعفاته. أما من ناحية الشباب فما يكون صالحًا للكبار فلم لا يكون صالحًا للصغار؟
فلماذا نتعجب اليوم إذا وجدنا أطفالنا يدخنون، ويعتقدون أنهم بذلك أنهم نموا وكبروا؟
لماذا نعتبر أن هؤلاء الشباب فسدوا وحدهم، وكنا نحن الآباء والأمهات البادئين في هذا الفساد؟ ألم يكن دائمًا (البادى أظلم؟!! ).
الإباحية: من زمن بعيد كان الرجل لا يعرف _ كما كانوا يقولون - إلا ععمله وبيته. يخرج في الصباح إلى عمله ويرجع بيته في منتصف النهار، ويقضى بقي يومه بين زوجه وأولاده. وكأن الخروج عن هذه العادة عيبا كبيرا. ثم بدأ الرجل يسمح لنفسه أن يمضى بقية يومه خارج المنزل، مرة في القهوة، وأخرى في حانة، وثالثة في أمامن أخرى. وبما أن الولد يقلد أباه، فقد أخذ يصنه مثله. وأصبحت الأسرة لاترى عيبًا أن يلهو الرجل وابنه. أما الأم، وأما البت فلا. ثم نادت المرأة بالمساواة بالرجل. المساواة في الخير والشر بل في الشر قبل الخير. ونادى الصغار بالمساواة بالكبار، المساواة في الخير والشر بل في الشر قبل الخير. وخرج الجميع من البيت. وملأ الناس .. كبار وصغارا، نساء ورجالا الملاهى والمراقص والحانات و (علب الليل).
ثم يجئ اليوم رجال الجيل القديم ويقولون ما هذه الإباحية التي عليها شباب اليوم. لا تنصلوا من المسئولية، مسئولية الجيل القديم. هو الذي بدأ الخطوة الأولى. ودائمًا (البادى أظلم).
التربية في المدرسة: بدعة شحن المدارس بأعداد غفيرة من الأطفال والشباب، أعداد فوق المدرسو ومدرسيها ومديريها ورؤسائها ومخططيها ومعاملها وملاعبها وقاعاتها وفصولها. ثم شحن المناهج الدراسية بأنواع من المواد والعلوم فوق طاقة الأطفال والشباب والمدرسو ومدرسيها ومعاملها. الخ.
هذه البدعة المركبة من الذي إبتدعها؟ أليس هو الجيل القديم. وكان من اثر ذلك أن أصبحت العلاقة الوحيدة بين المدرس والطالب هو كيفية (تلقين وتلقيم) الطالب ما يجب عليه أن (يستفرغه) في الامتحان للحصول على المجموع المطلوب. ثم بعد هذا الاستفراغ لا يعلم بعد العلم شيئا، وانعدمت بذلك العلاقة التهذيبية والتربوية بين المدرس والتلميذ. فمن الذي يعلمه الأخلاق القويمة، والأصول الحميدة، ومن الذي يلقنه الدين كطريقة في حياته ومعاملاته، لا ككدرس يقرأ، أ, كملحوظات يطلقها لسانه عن ظهر قلب دون فهم أو وعى؟.
إن تنشئة الجيل القديم للجيل الجديد في المدرسة أصبحت تعليما بلا تربية ولا تهذيب، أصبحت المدارس كماصنع المعلبات أو تعبئة الزجاجات. ولكنها ناقصة (التشطيب)، فهي تعبئ العلب والزجاجات ولا تنظفها من الداخل ولا تصقلها من الخارج ولا تلصق عليها الغلاف الذي يحسن مظهرها ويدل على محتوياتا. ومن الذي بدأ هذه البدعة، أليس هو الجيل القديم. أو ليس دائمًا البادى أظلم ؟
التربية في المنزل: الآباء والأمهات يوجهون أولادهم إلى الطريق القويم أو إلى غير ذلك من الطرق هذا إذا كانوا إيجابيين في توجيه أبنائهم. أما إذا كانوا سلبيين لادور لهم في ذلك تركوا أولادهم من غير توجيه، تتلقفهم الرياح وتذهب بهم كل مذهب.
وكل عصر له فلسفته.
فقد جاء عصر من زمن سحيق كا الآباء فيه يطلبون من أبنائهم عمل الشيئ لأنه يرضى اللَّه، ويمنعوهم من عمله لأنه يغضبه سبحانه وتعالى.
أما اليوم فالآباء والأمهات يطلبون من أولادهم أن يصنعوا الشيء الذي يتمشى مع (عصرهم).
فإذا كان عصرهم عصر إلحاد وإباحة، أصبحوا ملحدين إباحيين. وإذا كانعصرهم عصر تبرج وإنحلال وتشرد أصبحوا مثله متبرجين منحلين متشردين. وهكذا.
قولوا لى باللَّه من الذي صنعالعصر الذي نحن فيه؟ أليسوا هم الآباء والأجداد؟
أيصنعون الإلحاد والإباحية والتبرج والانحلال ويزجون بفلذات أطبادهم في كل ذلك ثم يلقون المسئولية على عاتق الشباب هو السبب في حين أن الأجيال الأوائل هي التي هيأت الجو ومهدت له وزجت الجيل الجديد في كل ما هو فيه الآن، وفي كل ما يعتبره الجيل القديم من عيوب الجيل الجديد؟
هل يوجد أكثر من ذلك ظلم ؟
العرى: كان العرى من مميزات الجاهلية، كان يعتبر من مقومات المدنية السائدة في ذلك الحين، بل وكان يعتبر من عناصر التدين إذا كان العرب الجاهليين يطوفون في البيت رجالا ونساء، وكانت تمارسه عدة حضارات جاهلية في أنحاء مختلفة من العالم.
ونشعر خلال القرن العشرين الميلادى أننا نعيش رجعة إلى الوراء، رجعة إلى الماضي السحيق، رجعية ليست مثل كل الرجعيات، إن الذين يتحدثون عن الرجعية يعيبون على المتدينين رجوعهم إلى الدين، أما هؤلاء العائبون لا يعيبون على أنفسهم رجعيتهم إلى الجاهلية بل إلى أشد من الجاهلية الأولى.
إننا نشهد الآن تعرية (منهجية) مطردة من أجيال متعاقبة من النساء، وهذه الأجيال لا زالت تعيش منها نماذج بيننا تذكرنا بالتطور الذي يحدث في زى المرأة، فنحن نرى جدة تلبس الثياب السابغة وتختمر، ومعها بتها عارية الرأس والذراعين، ومعها حفيدتها عارية الرأس والذراعين والساقين والفخذين، وتلبس (البكيني) على الشواطئ.
أما الجدة فهي ترى أنها لا يمكن أن تلبس غير الثياب السابغة التي تلبسها لأن ذلك غير مناسب لسنها أو جيلها، وهي ترى أ، بنتها تلبس ما تلبس تمشيا مع عصرها، أما لحفيدة فهى (زودتها شويتين)، أما أين حكم اللَّه في كل ذلك فلا مكان له عندها، فالنظرة نظرة العصر الذي تعيش فيه، اما الدين فما دخله في ذلك؟
أما الأم فرأيها أن الجدة متغالية في لبسها، وأن بنتها متغالية كذلك، وكا منهما متغالية بطريتها، أما هي فالمعتدلة بينهما، ويكفيها ذلك فخرًا ولكن أين موقف الدين من ذلك؟ فهي لا تدرى.
أما الحفيدة فنظرتها إلى جدتها ووالدتها أنهما متأخرتان،، والجدة متأخرة أكثر من الأم، أما هي فهي بلغت منهى الحضارة والمدنية أ/االدين فذلك شيء أمحى من جيلها تمامًا فجيل جدتها لم يبق فيه من الدين إلا القشور التي تساقطت هي الأخرى في عصر أمها حتى كادت تنتهى، أما في عصر الحفيدة فهذه القشور نفسها لم يعد لها أثر.
ولكن من الذي صنع عر الأمهات؟ أليست هن الجدات؟ ومن الذي صنع عصر الحفيدات؟ أليست هن الأمهات؟
لقد قال كل جيل للذي بعده كيف تكون الموضة وكيف يكون اللبس، وكيف يكون العرى، أما كيف يكون تطبيق أموامر اللَّه فلم يقم أي جيل من الأجيال الثلاثة بتعليمه للجيل الذي بعده.
إلا أننا يطمئن قلبنا إلى الحركة النشيطة التي بدأت أخيرًا في بنات الجامعات والمدارس ةالتي بدأن فيها بالتخلى عن العرى والإباحية، فظهرن في أحسن مظهر.
ولا أعجب أن ظهرت هذه الظاهرة في وسط المتعلمات أكثر من غيره من الأوساك فهي نتيجة العلم بأموامر اللَّه ة، واعلم بالمبادئ التي يتهيئ لهن سعادة الدارين، أما الأوساط الجاهلية، فهي تجهل كل شيء، علم الدنيا والدين.
كلمة إلى الجيل القديم: هذه أمثلة قليلة من المراحل التي تطورت إليها الأجيال المتعاقبة حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن، وحتى أصبحنا نسمع صيحات الاستنكار من كل حدب وصوب، وكل جيل له دوره في تشكيل الإتجاه العام لهذا التطور، فإن وجدنا مالا يعجبنا في حالنا اليوم فلنرق إلى مشتوى المسئولية ولنضع شيئًا لإصلاحه أو على الأقل لتحويل التيار إلى الإتجاه القويم.
لا تنصلوا من مسؤليتكم { ... قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... } [التحريم: 6]. خذوا حذركم، فأنتم المسؤلون عن كل الأجيال القادمة، لا تقولوا إن الجيل الجديد فيه كثير من العيوب وأنه هو السبب، فأنتم السبب لأنكم أنتم الذين ربيتموه وصنعتموه وكنتم الأساس على صقل أخلاقه، وتوجيهه وتربيته، وخلقتم عصره وشكلتم مقوماته.
كلمة إلى الجيل الجديد: أنتم الجيل الواعى، الجيل الميقف، الجيل الصاعد، المستقبل كله أمامكم، وأنتم صانعوه، فاصنعوا مستقبلا أحسن من الذي صنعه آبائكم، وليكن طريقكم في الحياه هو الدين القويم، وهو الطريق الذي رسمه اللَّه سبحانه وتعالى بعلمه بطبيعة الإنسان المثقف وغير المثقف وليكن مثلكم الأعلى هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فادرسوا سنته وامشوا على نهجه وخذوا من عصركم كل ما فيه من علم حق وثقافة صحيحة، وبذلك تنجحوا في الدنيا والآخرة، وتصبحوا خيرا من آبائكم الأولين.