تهديد المستكبرين
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
(المكر) هو الأخذ في الطرق والأسباب الخفية لإيصال ما يريد الماكر من الأذى والضرر بالممكور به وهو لا يشعر، فلا يمكن من اتقائه، ولا تتاح له الفرصة ليعمل على النجاة منه.
و (السيئات) جمع سيئة. وهى الحالة السيئة، والفعلة السيئة، والصفة السيئة، والكلمة السيئة، والمعنى فيها: ما يسوء صاحبه ويضره في أولاه وعاقبته؛ لأنه لا يحسن الانتفاع به على الوجه الذي أعطاه اللَّه من أجله، فانقلب عليه شرًا وسوءًا.
(والخسف) هو هبوط الأرض وغؤرها وانهيارها نازلة إلى أسفل ثم انطباق جوانبها على المنخسف منها، فيصبح الأعلى أسفل، والأسفل أعلى. وخسف اللَّه به الأرض: غيبة فيها.
(والشعور) هو الإحساس الدقيق، الكثير التتابع والتتالى ليؤدى إلى النفس العلم بالمحسوسات، من مسموعات ومبصرات وغيرها من كل ما يعلم، فتجمع لها معلومات تتخذ منها أسباب البعد عما تكره واتقاء ما تخاف منها؟ وتحصيل ما تحب وجلب ما ينفع.
(والتقلب) هو الانقلاب على وجه إلى وجه، ومن حال إلى حال، والتوفر بالصحة والعافية على الاضراب في أسباب الحياة: من ابتغاء الرزق والمتعة به فى النهار، والسكون بالليل طلبًا للراحة والاستجمام، والقوة على السعى في اليوم المستقل، وطلبًا لمتعة الجسم من الزوج، وطلبًا للولد: مما يستوعب الفكر، ويشغل صاحبه. ويصرفه عن التفكير في غيره؛ لأنه قد أمن بما هو فيه، واطمأن إليه.
و (المعجز) لغيره: هو الذي يكون له من القوة والأسباب ما يغلبه به، ويمنعه أن ينفذ فيه مشيئتهه وعقابه.
و (التخوف) شدة الخوف، وكثرة أسبابه - بالانتقاص من الأنفس والأموال والثمرات، وتفاسد ما بين الناس من صلات القربى والمودة - التي ينصرف بها الخائف عن التوفر على التقلب في أسباب الحياة والمتعة والراحة، فينغص العيش، وتتنكد الجياة، وينصرف المتخوفون عن التفكر التام فيما يطلب الجسم والنفس من طعام وشراب ولذة.
و (الرؤوف الرحيم) المشفق العطوف على عباده، مما يتعرضون له بجهلهم وظلمهم لأنفسهم من ألوان الشقاء بما يعطيهم من أسباب الرحمة والسعادة والعيشة الراضية، فهو سبحانه ربهم الذي يربيهم، ويريد لهم الخير والحسنى بكل ما يعطيهم، وبكل ما ينزل عليهم من العلم والهدى، فلا يعجل عليهم بما يتعجلونه لأنفسهم من الغضب والعذاب، بل يتجلى عليهم برحمته في كل ما يعاملهم به، حتى إنه سبحانه لو عذبهم العذاب الأدنى، فإنما يريد به: أن يوقظهم من غفلتهم، ويذكرهم من نسيانهم، بسننه وآياته وأسمائه وصفاته، لينيبوا إلى ربهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا إلى الانتفاع بحس استعمال ما ينعم عليهم به، ليقيهم العذاب الأكبر. فمن رأفته ورحمته سبحانه: أنه يريد بالعذاب الأدنى إيقاظهم من الغفلة، قبل أن تقول نفس: يا حسرتا على ما فرطت في جنب اللَّه، وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول: لو أن اللَّه هدانى لكنت من المتقين.