الإسراء والمعراج بين شُبة المنكرين وإيمان الموحدين

كتبه: محمد عبد العزيز

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 43]

وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

 وبعد: فإن من المعجزات الحسية التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم معجزتي: الإسراء والمعراج.

والمراد بالإسراء: السير ليلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة من مكة إلى بيت المقدس في فلسطين، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

والمعراج: على وزن مفعال الآلة التي يعرج بها، وهي المصعد، والعروج -الصعود - بالرسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغ السماء، ثم حيث شاء الله جل وعلا حتى سمع صريف أقلام الملائكة، وفرضت عليه وعلى أمته الصلوات الخمس في السماوات العلا ثم عاد لبيته قبل الفجر.

والمعراج ثابت بالكتاب والسنة:

فمن الكتاب قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} إلى قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم من 1 إلى 18].

وأما السنة فسيأتي ذكرها بعد قليل.

ورحلتا الإسراء والمعراج معجزتان شاهدتان على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وكرامته عند ربه، وفيهما تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في مصابه بوفاة أمنا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- ووفاة عمه أبي طالب، وتثبيت لفؤاده بما رأى من آيات به الكبرى، وفيهما دلالة على قدرة الله الباهرة، وفي المعراج دليل على علو الله سبحانه على خلقه ومباينته لهم، وقد حدثتا قبل الهجرة بزمن.

والإسراء والمعراج من الأمور التي ثبتت بطريق الشرع.

قال عبد الغني المقدسي [المتوفى: 600 للهجرة] في عقيدته (ص 80): «وأجمع القائلون بالأخبار والمؤمنون بالآثار أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أسري به إلى فوق سبع سماوات ثم إلى سدرة المنتهى.

 أسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى -مسجد بيت المقدس- ثم عرج به إلى السماء بجسده وروحه جميعًا، ثم عاد من ليلته إلى مكة قبل الصبح».

وقد تواتر نقل خبر معجزتي الإسراء والمعراج في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت من طرق عن ست وعشرين نفسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، والجوامع، والسنن، والمسانيد، والمستخرجات، والمعاجم، والمستدركات، والمشايخات، والأمالي وغيرها من كتب السنة.

 ونقلت بأسانيد صحيحة، وحسنة، وقريبة منهما، وضعيفة لا تقوم بها حجة.

 ومن الصحابة من ساقها بطولها، ومنهم من اختصر الكلام فيها.

 فهذه الأخبار بمجموع ما جاء فيها مما تواتر العلم به

قال الحافظ ابن كثير في " تفسير القرآن العظيم" في تفسير سورة الإسراء بعد أن ساق الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وتكلم عنها في خمس وأربعين صفحة (5 / 45): «فائدة: قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه: " التنوير في مولد السراج المنير "، وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنس وتكلم عليه فأجاد، ثم قال:

وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن:

 عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، وشداد بن أوس، وأُبَيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن قرط، وأبي حيّة وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمر، وجابر، وحذيفة، وبريدة، وأبي أيوب، وأبي أمامة، وسمرة بن جندب، وأبي الحمراء، وصهيب الرومي، وأم هانئ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم أجمعين -، منهم:

 من ساقه بطوله.

 ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد.

 وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون وأعرض عنه الزنادقة والملحدون {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8] ».

ومعجزتا الإسراء والمعراج فيهما من المعجزات والفوائد والأحكام والآداب ما هو جدير بالإذاعة حقيق بالذكر، لكن هذا المقال لا يتسع للكلام عليهما، فقد خصص للرد على بعض شبهات المنكرين لهما.

والحقيقة أن الرد والتشكيك في معجزتي الإسراء والمعراج وإنكارهما قديم وأول من أنكرهما كفار قريش حين حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بخبرهما فكان منهم المصفق، ومنهم واضع يده على رأسه مستعجبًا للكذب، حتى طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم البينة على وقوع الإسراء، واستغربوا أنهم يضربون أكباد الإبل لبيت المقدس شهرًا ذهابًا وآخر إيابًا وهو يخبرهم أنه ذهب إليه وصلى فيه بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، ثم عاد من ليلته، حتى ارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر _ رضي الله عنه _ فقالوا: «هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟!

 قال: أو قال ذلك؟

قالوا: نعم.

 قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق.

قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟!

 قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة».

أخرجه الحاكم في المستدرك (4407)، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.

ثم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس وهم يعتقدون عجزه عن ذلك وسألوه عن أشياء فقد رآه بعضهم وعاينه، وهو به خبير، قال جابر بن عبد الله _ رضي الله عنهما _ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لما كذبتني قريش [وفي رواية: حين أسري بي إلى بيت المقدس] قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه» (أخرجه البخاري 4710)

وجمهور الشبهات يرجع إلى أمور:

الأول: رد الوحي والتكذيب بالرسالة، فيكذب بهاتين المعجزتين سلمًا لرد الرسالة.

الثاني: أن المعراج لم يذكر في الكتاب، وإنما جاء في السنة، وهذا يرجع إلى رد السنة وعدم الاحتجاج بها.

الثالث: الاستبعاد العقلي لوقوع ذلك.

وقد تبع هذين الصنفين _ الثاني، والثالث _ من المعاصرين: أبو رية في كتابه: "أضواء على السنة المحمدية" (ص: 123)، ود.أحمد شلبي في الجزء الثالث من كتابه: "المكتبة الإسلامية المصورة لكل الأعمار"، والكاتب د.يوسف زيدان، والمذيع إبراهيم عيسى...ومن لف لفيفهم.

الرابع: الذين يسلمون بحجية السنة، ويسلمون بورود المعجزتين في السنة لكن يدعون ضعف الحديث واضطرابه وعدم الاحتجاج به.

أما الصنف الأول وهم المكذبون بالوحي الرادون له فهم أحد ثلاثة أصناف:

إما ملاحدة لا يؤمنون بوجود إله للكون ولا بعث ولا نشور...

وإما وثنيون يعبدون من دون الله آلهة أخرى.

وإما أهل كتاب كاليهود والنصارى.

أما الملاحدة فليس كلامنا معهم، وإنما الكلام معهم يكون في إثبات وجود الخالق وصحة الأديان.

 وأما الوثنيون فكلامنا معهم في بطلان عبادة الأوثان.

وأما أهل الكتاب فيقال لهم: إنكم تؤمنون بحدوث المعجزات للأنبياء والمرسلين، بل ومن المعجزات الشبيهة بالمعراج عندكم صعود إيلياء إلى السماء، ففي الكتاب المقدس (الملوك الثاني 2: 1 - 11): «وعندما أزمع الرب أن ينقل إيليا في العاصفة إلى السماء، ذهب إيليا وأليشع من الجلجال...

وفيما هما يسيران ويتجاذبان أطراف الحديث، فصلت بينهما مركبة من نار تجرها خيول نارية، نقلت إيليا في العاصفة إلى السماء».

فالكلام معهم في إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وثبوت الرسالة.

أما الصنف الثاني: وهم الرادون للسنة، فيقال لهم دل الكتاب على حجية السنة ولا ريب فمن ذلك:

 قوله سبحانه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33].

 وقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [النساء:80]

 وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]

وقوله سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

والكلام مع هؤلاء يطول فيكتفى بما سبق منه.

أما الصنف الثالث: أصحاب الاستبعاد العقلي لوقوع ذلك:

 فيقال لهم:

أولاً: أما الإمكان العقلي لوقوع الإسراء والمعراج فمحقق وقدرة الله تعالى لا تقاس على قدرة مخلوقاته.

ثانيًا: كثير من مخلوقات الله تعالى قد خلق الله فيها قدرات متفاوتة كالملائكة والجن والريح ونحوها فمن قدرات الجن ما حكاه الله في قدرة الجن على نقل عرش بلقيس من اليمن إلى سليمان عليه السلام في الشام في أقل من طرفة عين، قال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40]، وهذا من خرق العادة لمخلوق ضعيف.

فما الذي ينكر في إسراء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وعروجه إلى السماء ثم عوده في ليلة مع إقدار الله له.

ثالثًا: أمكن للإنسان الآن مع قدراته المحدودة صناعة الطائرات، والأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية، والغواصات التي توفر الوقت والجهد وتمكن الإنسان من استصحاب الأكسجين الذي يمكنه من العيش في الغواصات تحت الماء أو في الفضاء لأيام فما الذي ينكر فمن معجزتي الإسراء والمعراج مع هذا الإمكان العقلي؟!

أما الصنف الرابع: الذين يسلمون بحجية السنة، ويسلمون بورود المعجزتين في السنة لكن يدعون ضعف الحديث واضطرابه وعدم الاحتجاج به.

فيقال لهم: لا ريب عند أهل الفن أن الوارد في الإسراء منه ما هو مقبول سواء كان صحيحًا أو حسنًا، ومنه الضعيف الساقط فيقبل الصحيح ويرد الضعيف، ولا يرد الصحيح بردنا للضعيف، وقد تواتر الخبر من طرقه كما سبق.

قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم مبينًا ذلك (ص 438): «وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات.

 مثل: ما يرويه بعضهم فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له جبرائيل: هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصل فيه.

 وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه.

 وأعجب من ذلك أنه قد روي فيه أنه قيل له في المدينة: انزل فصل هاهنا قبل أن يبني مسجده، وإنما كان المكان مقبرة المشركين، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إنما نزل هناك لما بركت ناقته هناك.

فهذا ونحوه من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة، وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين».

هذا ما يسره الله في هذه العجالة

فإن كان صوابًا فالحمد لله وإن كانت الأخرى فأستغفر الله.