شهر شعبان.. أحكام وآداب وخصائص *

بيانات المقال

الكاتب

الدكتور/ محمد عبد العزيز

السنة

50 (1442هـ)

العدد

8 (شعبان)

الصفحات

24: 27

التاريخ الميلادي

2021م

 

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1]

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن سلك سبيلَه واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

📌 فإن من القواعد المتقررة كونًا وشرعًا: أن الله تعالى يصطفي من خلقه ما يشاء من: الذوات، والأزمان، والأماكن فيجعل لها مزيد فضل وخصيصة شرف يخصها بها عما يشاركها في أصل الخلقة {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]، وهذا أمر لا يعرف إلا من جهة الشرع، فلا تفضيل ولا تخصيص لشيء من ذلك إلا ما جاء الإخبار عنه من جهة الشرع.

📌 ومن القواعد الشرعية المتقررة: أن تخصيص زمان من الأزمان أو مكان من الأماكن بإيقاع عبادة من العبادات أو ترك من التروك إنما يكون من جهة الشرع وحده، فعن عائشةَ _ رضي الله عنها _ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أحدَثَ في أمرنا هذا مَا ليسَ منه، فهو رَدٌّ» وفي لفظٍ: «مَنْ عَمِلَ عَملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ». [أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)].

✒️ فكل تخصيص لزمان أو مكان بطاعة من الطاعات بغير طريق الشرع فهو محدث لا يجوز الإقدام عليه، لحديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

[أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2870) (2871)، ابن ماجه (44) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.]

فهذا طرف من حديث العرباض فيه كثير من الفوائد منها:

📙 ما قاله الآجري في الأربعين، قال (ص 95): «أنه حذرهم البدع وأعلمهم أنها ضلالة، فكل من عمل عملاً أو تكلم بكلام لا يوافق كتاب الله عز وجل، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين، وقول صحابته رضي الله عنهم فهو بدعة، وهو ضلالة، وهو مردود على قائله أو فاعله».

[وينظر: تطريز حكم صوم رجب وشعبان، لابن العطار (ص 48).]

📌 ومن القواعد المتقررة في فطرة الناس وخلقتهم: أن النفوس تُقْبِلُ على الطاعات وتَجِدُ نشاطًا عليها في الأزمان والأماكن الفاضلة أكثر من غيرها، كما أنها تجد نشاطًا على بعض الطاعات أكثر من غيرها بحسب المدح والحث الذي ورد فيها في الشرع.

☝️ فهذه ثلاث من القواعد المهمة قدمت بها بين يدي هذه المقالة لأهميتها في هذا السياق.

📌  فإذا تقرر هذا فإن شهر شعبان من الأشهر التي خصصها النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد طاعة، وخصصها بإيقاع عبادة مخصوصة فيها:

1 _ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم.

 وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان.

 وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان» [أخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156)]

2 _ وعن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله.

 وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا.

 وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قَلَّتْ.

 وكان إذا صلى صلاة داوم عليها». [أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (1156)]

3 _ وعن أم سلمة قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» [أخرجه أبو داود (2336)، والترمذي (736)، والنسائي (2175)، (2352)، (2353)، وقال الترمذي: حديث أم سلمة حديث حسن»]

✏️ فهذه النصوص وغيرها من السنة الفعلية تدل على:

أ ـ مشروعية تخصيص شهر شعبان بالصيام فيه.

ب _ سنية صيام شهر شعبان كله كما جاء في حديثي أم المؤمنين عائشة، وأم المؤمنين   أم سلمة ـ رضي الله عنهما ـ وأمهات المؤمنين كن يطلعن من عبادته صلى الله عليه وسلم على ما لا يطلع عليه غيرهن.

 وقد اتفق العلماء على جواز صيام جميع شعبان ووصله برمضان، وقد نقل هذا الاتفاق جمع من أهل العلم منهم ابن العطار [ينظر: تطريز حكم صوم رجب وشعبان، لابن العطار (ص 53)].

ج _ اختلف أهل العلم في فهم المراد من قولهن: «يصوم شعبان كله»، «يصوم شهرين متتابعين» على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه على ظاهره من ديمة صيامه صلى الله عليه وسلم للشهرين، فيكون صيام شعبان كله سنة.

الثاني: أنه كان يصوم أغلب الشهر بدلالة قولها: «وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان»، وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك قوله في هذا الحديث: «هو جائز في كلام العرب، إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله.

 ويقال: قام فلان ليله أجمع، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره.

كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين، يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر».

الثالث: أنه كان في بعض السنين يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان، وفي بعضها يصوم أكثر شعبان، فيكون كلا الفعلين سنة.

والقول الثاني هو أرجى الأقوال بالصواب، لما سبق.

[ينظر: الكواكب الدراري، للكرماني (9 /132،131)، والتوضيح، لابن الملقن (13 /441)]

💥 لماذا كان يخص النبي صلى الله عليه وسلم شهر شعبان بالصيام؟

خصص النبي صلى الله عليه وسلم شعبان بالصيام لأمرين علل بهما في حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟

 قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» [أخرجه النسائي (2357)].

✏️ الأول: أنه شهر يغفل عنه الناس، فتقع العبادة في وقت غفلة الناس.

✏️ الثاني: أنه شهر ترفع فيه أعمال العام إلى الله.

💥 وقد علل بعض أهل العلم بغير ذلك:

 فمنهم من علل ذلك:

✒️ بفضل رمضان وتعظيمه فجعل صيام شعبان قبل رمضان كفعله صلى الله عليه وسلم صلاة السنن قبل الفرائض تعظيمًا لها، وتعويدًا للنفس على الصيام وإيقاظها، وهو التعليل الثالث، ويشهد لذلك حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟

 فقال: شعبان لتعظيم رمضان.

 قيل: فأي الصدقة أفضل؟

قال: صدقة في رمضان»، لكنه حديث ضعيف لا يثبت أخرجه الترمذي (663)، وقال: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي.

💥ويرد على هذا التعليل فرقان:

✏️ الفرق الأول: أن السنن الراتبة لا تصلى إلا بدخول وقت الفريضة؛ لأن وقتها متسع لها ولغيرها من جنسها.

 أما شعبان فإنه يصام قبل دخول وقت صيام رمضان؛ لأنه وقت مضيق منطبق على فعله، لا يتسع لغيره من جنسه.

✏️ الفرق الثاني: أن الرواتب قبل الصلوات مرغب فيها.

أما رمضان فالنهي ثابت عن تقدمه بصوم يوم أو يومين، بل وجاء النهي عن الصيام إذا انتصف شعبان، ووجه بأن الكراهة تتعل بمن ليس له عادة في الصيام.  

✒️ التعليل الرابع: أنه يصومه لتدارك ما فاته من صيام النوافل التي قد يتشاغل عنها في بعض شهور السنة فيجتمع عليه ذلك في شعبان فيتداركه قبل صيام الفرض، وهو وجه حسن أيضًا.

💥 وأولى ما علل به صيام شعبان ما جاء منصوصًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو التعليل الأول والثاني.

📌 ليلة النصف من شعبان:

ورد في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث لا تخلو من مقال فمن أمثلها:

حديث: «إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن».

✏️ وقد جاء من طرق كثيرة عن أبي بكر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل، وعوف بن مالك، وكثير بن مرة الحضرمي ـ رضي الله عنهم ـ.

✏️ وقد صحح الشيخ الألباني الحديث في السلسلة الصحيحة (1144) بمجموع طرقه.

وقد قال ابن رجب في لطائف المعارف (ص 136): «وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة، وقد اختلف فيها:

ـ فضعفها الأكثرون.

ـ وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه».

✏️ وقال أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن (4 /117): «وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها».

وقال في عارضة الأحوذي (3 /275): «وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه».

💥 ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام، ولا يومها بصيام إلا رجلاً كان يصوم صومًا كالأيام القمرية مثلاً فيوافق هذه الليلة فيصومها لصيامه هذه الأيام البيض المندوب إلى صيامها من كل شهر، أو كان له ورد من قيام فيقوم تلك الليلة لقيامه الليل المرغب فيه طوال العام.

وقد قال ابن رجب في اللطائف (ص 137): «وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك:

ـ فمنهم من قبله منهم وافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم.

ـ وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك، وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة».

✏️ هذا وليس في حديث: «إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن» تخصيص هذه الليلة ولا يومها بإيقاع عبادة لكن فيه عبادتان تركيتان من أعظم العبادات، وهي:

✒️ الأولى: السلامة من الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر:

ـ أما الشرك الأكبر فإنه مخرج من الملة وصاحبه مخلد في نار جهنم، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

ـ وأما الشرك الأصغر فإنه محبط للعمل الذي يدخل عليه.

✒️ الثانية: سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين وإرادة الخير لهم ونصيحتهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

وهاتان العبادتان متأكدتان في كل وقت، وإنما خصتا بالذكر هنا لذكر فضل الله على عباده بمغفرة ذنوبهم، وهما مانعان من موانع المغفرة فنبه عليهما.

📌 الصيام إذا انتصف شعبان:

ورد النهي عن الصيام إذا انتصف شهر شعبان، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا».

[أخرجه أبو داود (2337)، والترمذي (748)، وابن ماجه (1651)، والنسائي في "الكبرى" (2923)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح]

💥 وهذا الحديث قد اختلف أهل العلم في ثبوته:

✒️ ـ فصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والطحاوي، وابن عبد البر، وآخرون.

✒️ ـ وضعفه ابن مهدي، وأحمد، وأبو زرعة، والأثرم، وآخرون، وعلته عندهم تفرد العلاء بن عبد الرحمن به فهو صدوق لا يتحمل ما تفرد به.

📙 قال السخاوي في الأجوبة المرضية (1 /36): «ومدار هذا الحديث على العلاء.

 فقد قال النسائي عقب تخريجه: لا أعلم رواه إلا العلاء بن عبد الرحمن.

 وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

 وكذا قال غير واحد، منهم: الخليلي حيث قال في العلاء: إنه مختلف فيه، لأنه ينفرد بأحاديث لا يتابع عليها، كحديث: "إذا كان النصف من شعبان"، وقد أخرج مسلم من حديث المشاهير دون الشواذ. انتهى.

 وقال أبو داود: أنكروا على العلاء صيام شعبان، وعنى هذا الحديث».

✏️ قلت: وهذا الحديث معارض بأحاديث صيامه صلى الله عليه وسلم لشهر شعبان كله أو أغلبه وهي في الصحيحين، وكذا بالحث على صيام سرر الشهر وهو آخره.

💥وقد اختلف في فهم المراد منه أهل العلم على مذاهب أشهرها ثلاثة:

✒️ الأول: حمله ابن حزم على صوم اليوم السادس عشر وحده، وقوله معارض للفظ: «إذا انتصف شعبان فلا صوم حتى يأتي رمضان» فكأنه لم يقف عليه.

✒️ الثاني: أخذ بظاهر هذا الحديث الشافعية، وبعض الحنابلة، فقالوا: لا يصام إذا انتصف شعبان، إلا لمن كان له عادة بالصيام، كمن يصوم يومًا ويفطر يومًا، ومن اعتاد أن يصوم الاثنين والخميس، وصيام القضاء والنذر ونحو ذلك، فجمعوا بين النصوص لما اعتقدوا إمكانية الجمع، وهو أرجح الأقوال.

فيحمل الحديث عندهم على:

1 ـ من لم يصم في نصفه الأول شيئًا.

2 ـ من يضعفه صيام شعبان عن صيام رمضان.

3 ـ من لم يكن له عادة بالصيام.

4 ـ من يصومه احتياطًا لرمضان.

✒️ الثالث: ضعف الجمهور الحديث بما يعارضه وقالوا بمشروعية الصيام إذا انتصف شعبان، وذلك أنهم اعتقدوا فيه المعارضة من كل وجه فقالوا بالترجيح.

📌 صيام آخر شعبان:

يشرع لمن كان له عادة من صوم أن يصوم آخر شعبان فلا يتعلق النهي بصومه لحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل:

«هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟

 قال: لا.

 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أفطرت من رمضان، فصم يومين مكانه».

وفي رواية: «أصمت من سَرَرِ شعبان؟» [أخرجه البخاري (1983)، ومسلم (1161)].

✏️ سرار الشهر: بكسر السين، وبفتحها، وقيل: إنّ الفتح أفصح.

قال أبو عبيد: السرار آخر الشهر إذا استسر الهلال.

 قال ابن قتيبة: ربما استسر القمر ليلة أو ليلتين.

ويجوز أن يكون معنى قوله: «سرر هذا الشهر» أي: من وسطه، لأنها الأيام الغر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيامها، وسرارة كل شيء وسطه وأفضله.

[ينظر: شرح ابن بطال على صحيح البخاري (4 /129)]

📙 قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (4 /134): «وظاهر الحديث مخالف لقوله: " لا تقدموا الشهر بيوم، ولا يومين" فيصح أن يحمل هذا:

 ـ على أن الرجل كان ممن اعتاد الصوم في سرر الشهر.

ـ أو نذر ذلك.

 وخشى أن يكون إذا صام آخر شعبان دخل في النهي؛ فيكون فيما قال عليه السلام دليل على أنه لا يدخل في هذا الذي نهي عنه من تقدم الشهر بالصوم.

ـ وأن المراد بالنهى، من هو على غير حالته.»

✏️ قلت: كذا لا يتعلق النهي بمن كان عليه قضاء من رمضان يقضيه في هذه الأيام.

📌 لمحة تاريخية عن أهم التشريعات التي وقعت في شهر شعبان:

✒️ 1 ـ تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام ونزول قول الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}. [البقرة: 144].

فقد كان المسلمون يستقبلون بيت المقدس ستة عشر شهرًا من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فنزل تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام في شعبان في العام الثاني من الهجرة.

💥 فائدة:

ورد بسند ضعيف أن أول من صلى إلى بيت الله الحرام بعد نزول تحويل القبلة: أبو سعيد بن المعلى وصاحب له ـ رضي الله عنهما ـ فعن أبي سعيد بن المعلى ـ رضي الله عنه ـ قال: «كنا نغدو للسوق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنمر على المسجد فنصلي فيه، فمررنا يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر.

 فقلت: لقد حدث أمر، فجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] حتى فرغ من الآية.

 قلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أول من صلى، فتوارينا فصلينا، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى للناس الظهر يومئذٍ».

[أخرجه النسائي في الكبرى (10937)، الطبراني في الكبير (770)، والبزار ـ كشف الأستار ـ (419).

 وقال البزار: «لا نعلمه عن أبي سعيد بن المعلى إلا بهذا الإسناد، ولا روى إلا هذا وآخر»

وقال الهيثمي في المجمع (2 /13): «وحديث أبي سعيد فيه عبد الله بن صالح - كاتب الليث، ضعفه الجمهور، وقال عبد الملك بن شعيب بن الليث: ثقة مأمون».

والحديث فيه: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري الزرقي، قال الحافظ في التقريب: ضعيف].

✒️ 2 ـ في شهر شعبان من العام الثاني لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقع أول نسخ في الشرائع بنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام في الصلاة.

✒️ 3 ـ فرض الصيام في شعبان من العام الثاني للهجرة، قال النووي في المجموع (6 / 250):

«صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة».

✒️ 4 ـ فرض زكاة الفطر في شعبان من العام الثاني للهجرة، قال ابن كثير في الفصول في السيرة (ص: 127): «وفي شعبان فُرضَ صومُ رمضان، وفرِضت لأجله زكاةُ الفِطر قُبَيلَه بيوم».

✒️ 5 ـ النهي عن صيام يوم الشك، وهو: يوم الثلاثين من شهر شعبان إذا لم يثبت ثبوتًا شرعيًّا أنه من رمضان، وسمي بذلك لأن الناس يشكون أنه مكمل لشهر شعبان أو هو غرة شهر رمضان.

عن صِلَةَ بنِ زُفَرَ: قال: «كنَّا عند عمار بن ياسر، فأُتِيَ بشاةٍ مَصْلِيَّةٍ فقال: كُلُوا، فتنحَّى بعضُ القَومِ، فقال: إنِّي صائِمٌ.

 فقال عمَّارُ: من صامَ اليومَ الذي يَشُكُّ به النَّاسُ، فقد عصى أبا القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم» [أخرجه أبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنسائي (4/153)، وابن ماجه (1645)، وقال الترمذي: حسن صحيح].

✒️ هذا ما يسره الله تعالى في هذا المحل، فإن يكن صوابًا فالحمد لله على توفيقه، وإن تكن الأخرى فأستغفر الله.

💥 تنبيه: هذا المقال فيه زيادات ليست في مقال مجلة التوحيد لشهر شعبان 1442 هـ

المقال نقلا عن صفحة فضيلة الشيخ بموقع الفيس بوك