معركتنا ومفهوم الإيمان
بقلم فضيلة الأستاذ: إبراهيم الزكة
مدير المساجد بوزارة الأوقاف
مما لا شك فيه أن الإيمان ضروري ضرورة السلاح في كل معركة ساخنة أو باردة تخوضها الأمم لتخرج منها بالنصر. أو تموت دونه فتعذر.
ذلك أن الإنسان - برغم أبرع الآلات. وأروع المعدات، وأحكم الوسائل - لا يزال حجز الزاوية في الحرب. ولا يزال عصبها الحي. والقطب الذي تدور رحاها عليه.
لهذا يجب إعداده الإعداد الكافي روحيًا وماديًا. إذ لا يكفي السلاح وحده مهما كثر وجاد لأن السلاح قد يصبح جديدًا لا بأس فيه. ما لم يحمله الرجل الذكي القلب الحمي الأنف المعبأ بالإيمان. وهذا مبدأ اهتدت إليه الفطرة. وصدقته التجارب والأحداث.
يقول الشاعر البدوي:
فلا تغلبن بالسيف كل غلاية ... رويدك أن الكف لا السيف تضرب
ويقول المتنبي الحكيم:
إن السلاح جميع الناس تحمله ... وليس كل ذوات المخلب السبع
ولكن ما هو هذا الإيمان ..
إن هذا الإيمان يختلف في أمة عنه في أمة أخرى باختلاف المعتقدات التي تدين بها كل أمة. والأفكار التي تعبأ بها.
فقد تحارب الأمم تحت راية الوطنية أو القومية وقد تحارب في ظل فكرة اجتماعية تدين بها وتحاول أن تفرضها. وقد تغريها القوة. فتحارب في سبيل التسلط والغلب. والبغي في الأرض بغير الحق.
أما نحن - المسلمين - فلم نفهم الإيمان إلا بأنه الإيمان بالله وولايته للمؤمنين وصدق وعده لهم بالنصر والسيادة أن عاشوا أو الجنة أن اختارهم لجواره واتخذ منهم شهداء.
تحت هذا الشعار يقاتل المسلمون، وفي ضوئه يسيرون إلى هدفهم لا ينكصون ولا يترددون.
ولقد أثبتت حرب العاشر من رمضان - كما أحب أن أسميها - صحة هذا المبدأ وصدقه، فقد انطلق جنودنا إلى المعركة وقلوبهم موصولة بالله وعيونهم مشدودة إلى الجنة. صلوا قبل المعركة وحملوا كتاب الله وهم يقتحمونها وافتتحوها بتكبير الله الذي أشعرهم بأن الله أكبر من العدو، وسلاحه. وأكبر من الشيطان الذي يمده ويزين له أعماله. وكان لهذا أثره فذلل الممر المائي - وانهار الحصن الواقي ومشى الإيمان مع السلاح يدعم كل منهما صاحبه.
ويظهر أن هذا العمل المجيد. أخرج كثيرًا من الصدور التي لا يروق لها أن يصبح الإسلام قوة إيجابية تأخذ دورها في المعركة.
فكتب بعض الأساتذة الموجهين يستنكر هذا المعنى للإيمان ويدعي أنه تفكير لاعقلي، وعمل رجعي وتفسير يتعارض مع منطق العصر. وحركة التاريخ. وراح يتخبط في أسباب النصر ويتعسف في تفسير الإيمان محتجًا بإسرائيل. زاعمًا أنها تحارب بغير عقيدة وبغير إيمان وبغير مبدأ تستمد عناصره من وراء الغيب. ولست أدري كيف كبا تلك الكبوة وغفل عما يعلمه العام - والخاص من أن إسرائيل تدعي أنها دولة دينية تطوي جوانحها على وعود تستلهمها من وراء الغيب وهي تتبجح بذلك بزعم الاتهامات التي تنصب عليها من كل جانب.
وتعيرها بالرجعية والعنصرية ومعاكسة حركة التاريخ.
تجاهلت ذلك كله لما تعلمه من فعالية هذه الفكرة وضرورتها للكفاح. فإن استمسك المسلمون بدينهم الحق وقرعوا عقيدة اليهود المتهتزة بعقيدتهم الراسخة وحاربوا في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان. وحققوا نصرًا هو إلى الخيال أقرب منه إلى الحقيقة.
حين يحدث ذلك تحرج بعض الصدور المسلمة وتحاول إلقاء الماء البارد على تلك الشرارة التي اندلعت فأضاءت وأدفأت.
وأحب أن أسأل هذا الكاتب المتعجل بعض الأسئلة:
1- هذا الجندي - عاملاً كان أو فلاحًا - الذي ألقى بنفسه في فم الدبابة هاتفًا بكل ذرة فيه (الله أكبر) ما الذي حمله على ذلك؟!
أليس هو الإيمان بالله الذي يجمع الإيمان بالوطن والشرف والعزة والجنة.
2- هذا الطيار الشجاع الذي هبط بمظلته فلما قدم إليه الماء والطعام اعتذر قائلاً: إني صائم ما الذي أنطقه بذلك، أليس هو الإيمان بالله والسعي إلى رضاه؟!
3- هؤلاء الجنود الذين صلوا قبل المعركة وخلوا بربهم لحظة كأنما كانوا يعدونه بالطاعة ويعدهم بحسن المنقلب أليس ذلك من صميم الإيمان بالله.
4- هذه البلاغات الحربية التي كانت تبدأ باسم الله فتهز المشاعر وتشبع الطمأنينة والرضى. أليس ذلك دليلاً على أن قادتنا الأبطال مؤمنون بالله يذكرونه ويعتمدون عليه في أحرج اللحظات. إن الجندي المسلم لا يقتنع بشيء اقتناعه بدينه فهو لا يرغب في حجر ينقش عليه اسمه. أو باقة من زهر تلقى على قبره. إلخ. وإنما يستشرف للشهادة التي يدلف منها إلى جنة عالية قطوفها دانية. علم ذلك من علم وجهله من جهل.
بقي أن يذكر الأستاذ الكاتب بأن الإيمان الذي نفهمه يطالب قبل كل معركة بالتخطيط لها والإعداد من أجلها والاستعانة بالسلاح والدعاء والكتمان والتورية.
فالقرآن يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ... } الآية.
والرسول عليه الصلاة والسلام. كان يستعير السلاح إذا لم يجد القدرة على شرائه.
وكان يستعين بكل خبير في الحرب عليم بفنونها. وكان يكتم سر تحركاته ويروى ويقول: الحرب خدعة. هذا شيء، والشيء الثاني أن الإيمان الذي نفهمه يعمد أول ما يعمد إلى الدفاع عن الوطن والأرض والكرامة؛ لأن الوطن هو وعاء العقيدة الذي يحتويها ويحميها فإن ضاع ضاعت بضياعه.
والقرآن الكريم يلفت أنظارنا إلى ذلك ويجعل دفاعنا عن الوطن دفاعًا عن العقيدة فيقول محذرًا من غلبة الأعداء علينا: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذًا أبدًا} سورة الكهف. ويقول في الدفاع عن الشرف والثأر للكرامة: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} سورة المنافقون.
ألا فليتق الله هؤلاء الكتاب وليفطنوا إلى دقة تلك الأيام وحساسيتها وليقدموا الخير لأمتهم إن قدروا، على ذلك وإلا فليتصدقوا علينا بصمتهم. "رحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم ".