ولا تقتلوا أنفسكم ... بالتدخين
للأستاذ الدكتور / أمين رضا أستاذ جراحة العظام بكلية طب الإسكندرية
التدخين يسبب سرطان الرئة.
وسرطان الرئة مرض إن لم يكن قاتلاً فهو خطير واسمه مخيف.
هذه المعلومات نتيجة لأبحاث علمية استمرت في مراكز البحث العلمي في جميع أنحاء العالم على مدى أكثر من ربع قرن. وقدمت نخبة منها في مؤتمر التدخين المنعقد في كلية الطب بمدينة الإسكندرية في الأسبوع الثالث من شهر مارس 1972. هذا المؤتمر الذي انصرف منه من حضروه وقلوبهم يملأها الرعب من هول نتائج الأبحاث. ومن خطورة التدخين، حتى أخف درجاته وفي جميع صوره.
أصبحت هذه المعلومات الشغل الشاغل لجميع الأوساط العلمية، وأخذت بسببها الجمعيات الطبية تدرس أنجح الطرق لمنع التدخين.
وبعض الحكومات تدخلت في الأمر حتى إنه توجد بلاد لا تباع فيها السجائر إلا ومعها نشرة عن مضار التدخين وأخطاره.
وبعض الهيئات الأخرى التي يهمها الأمر في الاتجاه المضاد - مثل مزارع ومصانع الدخان - أخذت تزيد من دعايتها عن براءة التدخين، تبحث عن طريقة لمنع مضاعفاته.
اهتمت جميع الجهات المذكورة بالتدخين، مع أن صلتها به غير مباشرة. أما الضحية المباشرة للتدخين - وهي المدخن - فلم يكن لهذه المعلومات أي تأثير عليه.
إن المدخن أمره عجيب!!
إنك تراه يلف رأسه بعمامة كبيرة، ويغلف رقبته ((بكوفية)) صوفية سميكة يرفع جزءًا منها أمام أنفه، ويلبس عدة طبقات من الملابس الثقيلة يعلوها معطف من الصوف، ويلبس الجوارب والأحذية الصوفية، وإذا سألته عن السبب يقول: إنه يصنع كل ذلك وقاية من البرد.
والبرد: في تصوره لا يعدو أن يكون مسئولاً عن نزلات زكام وسعال تستمر أيامًا معدودات. ومع ذلك فهو يتقيه بكل هذه الاحتياطات والتحصينات.
وتجده يسعل من التدخين أكثر من سعاله من البرد. ((ولكنه لا يتقيه)).
وإذا سمع عن نتائج الأبحاث العلمية التي تربط بين التدخين وسرطان ((الرئة)) يقول: ((يا عم، إنني أدخن من عشرين سنة ولم يصبني شيء)).
نعم - يا عم - لم يصبك شيء حتى الآن. ولكنه أصاب الآلاف غيرك من المدخنين، وما يدريك أن هذا المرض ليس في طريقه إليك وأنه يصيبك بعد سنة أو أقل أو أكثر. ثم ماذا تعمل حينئذاك؟ هل يمكنك حينئذ أن تمحو أثر تدخين دام عشرات السنين بعد أن استفحل الأمر؟
إن التدخين ليس ضرورة. إن هو إلا عادة نشأت عن التقليد: صبي يريد أن يظهر مظهر الكبار. ابن يقلد والده، تلميذ يحذو حذو أستاذه.
ثم ماذا؟ إذا سألت مدخنًا يقول لك ((الكيف))، أو يقول لك: ((المزاج)).
وما هو الكيف أو المزاج؟ إن هما إلا هوى النفس يتغلب على إرادة الإنسان. فيحط من قدره ويجعله عبدًا ذليلاً لعادة قبيحة لا تلبث أن تهلكه.
ما موقف الدين من المدخنين؟
يجب أن نعرف أن التدخين عادات استحدثت بعد الإسلام بثمانية قرون على الأقل؛ إذ يقال: إنها عادة كانت منتشرة بين الهنود الحمر - سكان القارة الأمريكية الأصليين - ولم تعرف في عالمنا هذا إلا بعد أن اكتشف كرستوفر كولومبس القارة الأمريكية.
لذلك لا يوجد عندنا أثر متعلق بالتدخين، خاصة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يهدينا في هذا الطريق.
ولذلك يجب على المدخن أن يعرف موقفه في الآخرة بعد أن عرف موقفه في الدنيا.
لقد عرف الآن عن طريق الأبحاث العلمية أنه بالتدخين يعرض حياته في هذه الدنيا للخطر. ونحن في عصر العلم فلا مكان في هذا العصر لجاهل. كما أن الإسلام دين العلم. ولا مكان فيه لمسلم جاهل.
أما في الآخرة فهو أيضًا في خطر. فهناك الحساب على كل صغيرة وكبيرة. وهناك لن تنفعه فتوى أكبر المشايخ بأن التدخين حلال؛ لأن اللَّه سبحانه وتعالى هو الذي سيفصل في هذه المسألة. وكذلك فهناك لن تضره أية فتوى من أي شخص بأن التدخين حرام. لأن الأمر كله بيد اللَّه يوم الحساب.
بعض المسلمين يعتبرونه تبذيرًا. ويسوقون لذلك الآيات والأحاديث.
وبعض المسلمين يعتبرونه تعرضًا للخطر. ويسوقون لذلك الآيات والأحاديث.
وها هو البحث العلمي يكشف عن أنه قتل للنفس، وفي ذلك الكثير من الآيات والأحاديث. فيا ويل للمدخن من الحساب!!