ليس إلا الإسلام
بقلم محمد فتحي/ المحامي
يجتاح العالم الآن موجة طاغية كاسحة من الانحلال والفساد والإلحاد والخروج عن الآداب وقواعد السلوك والتمرد على كل فضيلة والاستهتار وعدم المبالاة والانسياق وراء الأهواء والشهوات بكل أنواعها حتى صار الناس في جاهلية جديدة لكنها أعتى وأقوى لما لها من الخداع المنطقي وتكلف الأدلة والبراهين والفلاسفة ورجال الفكر ووسائل الإعلان والجنود والمريدين الذين يدفعون ويدافعون عنها حتى صار من يتعرض لها سخرية. واضحوكة. ولقد امتد إلينا هذا المد حتى غمرنا في شرقنا واختطف منا بعض أجزائنا مضافًا إلى ذلك التسابق إلى صناعة، كل ما من شأنه أن يعمل على خراب العالم ودماره في دقائق معدودات وبذلك يقضي على التراث الإنساني والحضاري الذي بذل في إرساء قواعده الجهد والعرق بل العمر والحياة ولكم ينتاب العالم شيء كبير من الذهوب أو الفزع إذا ما شم ولو من بعيد أن رائحة حرب تفوح في الجو.
ثم أن الضمير العالمي قد أصبح تابعًا للمصالح الذاتية والمطامع، فإن الدول الكبرى التي صارت لها الوصاية، على العالم بقوة نفوذها لا تعير العالم أدنى التفاتة إلا بقدر ما يعطيها هذا العالم من مصالح ومطامع.
وأن الحاسية الرحيمة قد فقدت مفعولها عند كثير من الدول فأمريكا كم تبيد بقاذفاتها من الشعوب وتدمر من البلدان التي تستحيل قاعًا صفصفًا لا تجد فيه عوجًا ولا أمتًا، والبرتغال كم تحشد من الأهالي السود وتحصدهم حصدًا كأنهم وحوش يستحقون الإبادة، وهل زرع إسرائيل وطرد فلسطين ليحل هؤلاء محلهم واعطاؤهم كل أدوات القتل والإبادة والاستعلاء والطغيان إلا دليل على أن العالم بدأ يلغي القوانين الدولية، نتاج السنين والتجارب ليحل محلها شريعة الغاب والمخلب.
كل هذه الاتجاهات نذر شر وخراب إذا لم يتدراك الأمر عقلاء قوم. ولقد دخل اليأس قلوب كثير من الناس وأخذ هؤلاء ينظرون شمالاً وجنوب وشرقًا وغربًا يبحثون عن الخلاص والنجاة، ولقد رأوا بأعينهم فلسفات ومبادئ ونظمًا لم تغن عنهم شيئًا، بل زادت النار اشتعالاص ولهيبًا وأضافت إلى المرض مضاعفات وأسقامًا.
فتلك الشيوعية، التي منت الناس بالفردوس الموعود الذي طال انتظاره ما شفت عليلاً وما أبرأت عليلاً وكل ما لها من حسنة أنها سوت بين الناس في توزيع الفقر ولم يزد الإنسان عن كونه آلة، صماء تسمع بغير سمعها وتبصر بغير بصرها وتحس بغير إحساسها ويكفيها من الحياة أن تصل إلى الضرورى الذي يمكن أن يقيم أودها.
وتلك الديمقراطية الغربية المتسلطة. ذات الأثرة والطمع والجشع والكبرياء والعنصرية ليس لها من ديمقراطيتها إلا تطبيق داخلي وقد يكون منحرفًا إذا تعددت العناصر المكونة للدولة، في بعض الدول، وأن أجلى ما تتميز به بعض هذه الديمقراطيات الغدر والظلم والكذب والالتواء والتضليل واستنزاف الشعوب من سلب للحرية والعزة والمال.
ولعل الولايات المتحدة خير مثل لذلك، فلكم يتصيد السود كأنهم جزران مطعونة وحتى رأينا قسيسًا أسود حصل على جائزة نوبل وهو مارثن لوثر كنج يصاد على هذا النحو لا يحترم له دين ولا علم.
وأن قسيسًا يصلي في كنيسة البيض يرى مسيحيًا ملونًا قيد نفسه خارج الكنيسة ليصلي في كنيسة السود إلى غير ذلك من التفرقة في الحقوق المدينة بين البيض والسود.
ولقد أصبحت المنظمات الدولية عاجزة كل العجز عن حل أية مشكلة، ولقد أرسيت قواعدها لتصل إلى هذه النتيجة، وغية ما فيها أنها تصدر قرارات ليست من ورائها إلا التزامات أدبية. ومشكلة فلسطين لازالت تائهة: بين هذه المنظمات ولقد مر عليها هذا العصر الطويل دون حل عادل لها، أن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هذه المنظمات. شبه بهياكل نتردد في أصداء تستحيل إلى صرخات في واد ونفخات في رماد ثم بعد كل أولئك تلك الأديان القائمة على اختلاف أنواعها قد أصابها الشلل والعجز لأنها ليس في مكنتها أن تحل مشكلة من المشاكل وكأن هذه الأديان قد صارت مجموعة من الشكليات لا تجد طريقها إلا إلى كرسي الاعتراف أو خطبة عقد زواج أو الجنائز والتراتيل والتعويذات أو الححب أو التمائم أو القبور والاستشفاع بها وطلب المدد منها، لكل ذلك لا بد للإسلام من أن يدلي بدلوه في هذا الشأن، لأن الإسلام دين ودولة، مادة وروح، علم وعلم، عقل وفهم، حركة ونشاط، قد جعل الله فيه من عناصر الخلود والكمال والشمول ما يتسع لكل ما يستجد في الحياة من مشكلات تجد فيه جميع الحلول، ولا أدل على ذلك من أن هذا الإسلام قد استطاع أن يطوي دول الفرس والروم بمبادئه وعقائده وأخلاقه وتشريعاته وأن يقيم على انقاضهما مجد الإسلام السامق وأن يبذر بذور الحضارة الإسلامية التي نمت وترعرعت واستوت على سوقها حتى أظلت الدنيا بظلها الفينان.
دين يهز بالفرد روحًا وعقلاً وجسمًا وخلقًا ويسدد الأمة، تشريعًا وعلمًا ووحدة وترابطًا واجتماعًا حتى يذوب المجتمع من بوتقة واحدة فيصير مجتمعًا متجانسًا قائمًا على العدل يبر بعضهم بعضًا فلا يعتدي واحد منهم على الآخر لأنه بالاعتداء عليه يكون الله خصيم المعتدي يوم القيامة، ولا يكرهه على غير ملته: {لا إكراه في الدين} ويسعد العالم بعد ذلك ويرجعهم جميعًا لأب واحد وأم واحدة فهم أبناء أسرة، العاق فيهم عقابه على الله، الرباط فيه إنساني لا يفكه تعصب جاهل أو جهل حاقد، يضع من الروابط العالمية ما يسير بالعالم إلى إسعاد العالم، وإذا ما ناقش أو جادل كانت التي هي أحسن خير أسلوب، يحب السلام ويدعو إليها ويكره الحرب وينفر منها، قتل النفس ففيه كقتل الناس جميعًا واحياؤها فيه إحياء للناس جميعًا، موازين التفاضل فيه تقوى وأخلاق، ميله إلى العفو أقرب منه إلى العقوبة، ويدرأ الحد فيه بشبهه، يكره الفضائح ويحب الستر لأن خلقه تزكية النفوس، السباب فيه فسوق، والغدر انعكاس، والوفاء دين، والصدق بر، والكذب فجور، والرحم فيه موصولة، وقطعها غضب الله، والتشريع فيه إرادة الله. في أرضه وحكمه بين عباده وعدله في كونه وقضاؤه في عالمه وإصلاحه لاعوجاج المنحرفين.
والعبادة فيه يسر وبساط تؤدي بطرق سهلة ميسورة بعيدة ن تشديدات الكهنوت وعسر المعسرين وتنطع المتنطعين والاعتقاد في الله وحده لله عن الند والشريك والصاحب والولد والوسيط، فالحب المطلق والاعتماد المطلق والتوكل المطلق كله له وحده، لا شريك له، الصلاة والنسك والمحيا والممات دون دخل لنبي أو ملك صالح.
هذه بساطة الإسلام كعقيدة وعبادة وأخلاق وتشريع.
فهل آن لنا أن نخلص إسلامنا الجديد الذي أفسده المبتدعون وميعه الصوفيون حتى جعلوه دينًا كهنوتيًا ارتدوا به عن صفائه ونقائه وخلعوا عليه من التعقيدات والفلسفات ما جعله دين صوامع ومعتزلات، لا يهنأ بالحياة ويفر عن الدنيا ويعيش في خلوة خالية من يسر الإسلام وسماحته، وإن ننفض التراب عن وجهه الصافي حتى يطل علينا أبيض وضاء مشرفًا بسامًا يساير ركب الحياة كما سايرها من قبل، ويحكم الدنيا بشرعه كما أقامها على عدل الله في يوم قد ولى هذا العدل من الدنيا، وينشر فيها العلم والنور كما أضناء جنبات الدنيا المظلمة من قبل {إن الدين عند الله الإسلام}.
إننا إن فعلنا ذلك نكون قد أسدينا لهذا الدين جميلاً وإلا فيجب أن نعلن العالم أننا لسنا مسلمين، لأن العالم ينظر إلى إسلامنا من خلال ما نحن عليه الآن من هذا الدين الذي آذاه أهله.
محمد فتحي محمود المحامي