أحسن ما قرأت
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر. يأمر كل إنسان أن يعود إلى إنسانيته الكريمة التي أنعم عليه بها ربه، رب العالمين العليم الحكيم، الذي خلق الإنسان كله في أحسن تقويم، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة على سواء، لعلهم يشكرون، فيزيدهم فهمًا وعقلاً وهدى. كان صلى الله عليه وسلم يأمر كل إنسان لا يقدس إلا ربه وحده، ولا يذل إلا لربه وحده، ولا يعبد إلا ربه وحده. كان يقول ما أمره به ربه: {إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ إنما إلهكم إله واحد}، كان يقول: أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكرون. كان يقول: أنا عبد، أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. كان يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم. فإنا أنا عبد، فقولوا عبد اللَّه ورسوله. كان يقول: والله ما أدرى - وأنا رسول اللَّه - ما يفعل بي ولا بكم. ويقول دائمًا ما أمره به ربه أن يقول (رب زدني علمًا) كان يسوي بين بلال وأبي بكر، فيرفع اللَّه أبا بكر بتقواه وإيمانه.
ما كان صلى الله عليه وسلم يفرض نفسه على الناس. ولكن يفرضه عليهم الوحي لهداهم وسعادتهم ما كان يترفع على الناس بلباس ولا طعام ولا مجلس، بل كان يلبس ما يلبسون، ويجلس حيث ينتهي به المجلس، حتى كان يأتي للغريب فيسألهم: أيكم ابن عبد المطلب؟ ولكن كانت قلوبهم ترفعه في أعلى درجات الحب والإكبار، بما يملكها من بره وكريم خلقه وعالي أدبه، وعظيم شفقته وإيثارهم على نفسه. ما كان يؤثر نفسه عليهم إلا بحمل الأعباء الثقيلة شفقة على أصحابه ورحمة بهم. ما كان يومًا من الأيام كلا ولا عالة على أحد إلا على ربه، فكان راعى غنم ثم تاجرًا، ثم جعل اللَّه رزقه تحت ظل رحمه، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره. كان يقول: ((واللَّه لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها)). كان يأخذ الحق من القريب والبعيد على سواء، ويعطي الحق البعيد والقريب على سواء، كان ينتصف من نفسه. كان يبلغ الناس رسالة ربه، ويبين للناس ما نزل إليهم، في رأفة ورحمة وشفقة لا في تعاظم واستكبار وإذلال على الناس وعجب بما خصه اللَّه وميزه. لأنه كان يؤمن أنها أمانة في عنقه يؤديها، واللَّه صاحب الأمانة من فوقه رقيب حسيب، لا أنها عطية يقتضي الناس أجرها ثناء ولا مالاً ولا جاهًا له أو لأحد من أسرته. كان يعطي الكثير الذي لا يقدر عليه غيره - من ذات نفسه ذات يده، ويرى نفسه - بعد ذلك - مقصرًا فيقول: ((رب إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)).
وعلى الجملة كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كل شأنه في نفسه وغيره يأمر بالدل وهو على صراط مستقيم، لا عوج فيه ولا ميل ولا التواء لأنه حكيم رشيد. ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى.
هل يستوي هذا الرسول الكريم، الرءوف بالمؤمنين الرحيم، أولئك الذين لبسوا ثوب الدين صناعة وحرفة، وقلوبهم أشد قسوة من الحجارة. وهم أحرص الناس على الحياة ومتعها ولهوها وزورها وباطلها، الذين ينفرون الناس عنهم بأخلاقهم وأعمالهم، ثم يفرضون أنفسهم ويفرضهم الدهماء أشباه الأنعام رجال الدين؟ كلا واللَّه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.