من مفردات القرآن
الرؤيا
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ. قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 4 - 6].
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100].
تحدث القرآن الكريم في آياته المحكمات عن مجموعة من الرؤى:
- ففي ((سورة الأنفال)): {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} [الأنفال: 43].
- وفي ((سورة الإسراء)): {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} [الإسراء: 60].
- وفي ((سورة الصافات)): {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْصَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 103 - 105].
- وفي ((سورة الفتح)): {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27].
- أما في سورة يوسف فنلتقي بخمسة رؤى.
الرؤيا الأولى: رؤيا يوسف: {يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4].
الرؤيا الثانية: رؤيا ساقي الملك: {إني أراني أعصر خمرًا} [يوسف: 36].
الرؤيا الثالثة: رؤيا خباز الملك: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} [يوسف: 36].
الرؤيا الرابعة: رؤيا الملك الأولى: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف: 43].
الرؤيا الخامسة: رؤيا الملك الثانية: {وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} [يوسف: 43].
ولما كان الحديث عن ((الرؤيا)) يثير عدة تساؤلات، فقد آثرت أن أستعرض في هذا المقال نماذج من تلك التساؤلات، ثم أتناولها بالإجابة بقدر ما يوقف اللَّه ويعين.
تساؤلات:
- لماذا سميت الرؤيا: رؤيا؟
- وما معنى الحلم؟ وما هي أضغاث الأحام؟
- وما معنى ((تعبير الرؤيا))؟
- وما هي أنواع الرؤيا، وهل رأى علماء النفس في الرؤيا صحيح.
- وماذا يفعل الإنسان إذا رأى ما يحب، أو ما يكره؟
- وهل تتحقق الرؤيا الصادقة فورًا؟
- وما هي المبشرات؟
- وهل يمكن أن تتحقق رؤيا الكافر؟
- وهل يمكن أن يرى الإنسان في منامه حلمين في ليلة واحدة في نومة واحدة؟
- وما معنى كون الرؤيا الصادقة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة؟
- وما الفرق بين رؤيا الأنبياء، ورؤيا غيرهم؟
- وإذا كانت رؤيا الأنبياء حقًا، فلماذا أرى اللَّه نبيه جيش المشركين في بدر قليلاً، وهي يومئذ كثير؟
- وهل يثبت بالرؤيا حكم شرعي؟
- ثم ... ما تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي))؟
1 - الرؤيا:
سميت ((رؤيا)) - بالألف - لأنها عبارة عما يرى في النوم، كما أن ((الرؤية)) - بالتاء - اسم لما يرى في اليقظة، فهما: ((كالقربة)) و ((القربى)) وفرق بينهما للتميز.
ثم .. أنه قلما يحلم الإنسان حلمًا تحتوي مادته على لغة وكلام، وإنما الأكثر يرى الحلم ولا يسمع كلامًا .. كما في رؤى ((سورة يوسف)) كلها .. ولذلك اشتق ((للرؤيا)) اسم فيه معنى ((الإبصار)) لا ((يسمع)).
2 - الحلم:
الحلم - بضم الحاء وسكون اللام، وقيل: بضمها -: ما يرى في المنام من الخيالات الفاسدة، قال القسطلاني: وإضافة ((الحلم)) إلى الشيطان لكونه على هواه ومراده، وأما إضافة ((الرؤيا)) - وهي: اسم للمرئي المحبوب - إلى اللَّه تعالى، فإضافة تشريف، وظاهره أن المضاف إلى اللَّه تعالى لا يقال: حلم، والمضاف إلى الشيطان لا يقال له: رؤيا وهو تصرف شرعي، وإلا فالكل يسمى: رؤيا.
3 - أضغاث الأحلام:
وأضغاث الأحلام: تخاليطها وأباطيلها، وما يكون منها من حديث نفس، أو وسوسة شيطان، وأصل الأضغاث: ما جمع من أخلاط النبات، الواحد: ضغث، فاستعيرت لذلك، والإضافة بمعنى ((من)) أي: أضغاث من أحلام.
4 - تعبير الرؤيا:
تعبير الرؤيا: ذكر عاقبتها، وآخر أمرها، كما تقول: عبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، وهو عبره. ونحوه: ((أولت الرؤيا)) إذا ذكرت مآلها ومرجعها.
ولم يذكر في القرآن الكريم لفظ التعبير إلا مرة واحدة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43].
5 - أنواع الرؤيا:
وللرؤيا أنوع كثيرة ذكر منها ابن حزم - ((الفصل في الملل والفصلي في الملل والأهواء والنحل ج5 ص19)) - أربعة:
- ما يكون من قبل الشيطان، وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط.
- ما يكون من حديث النفس، وهو: ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدو، أو لقاء حبيب، أو خلاص من خوف أو نحو ذلك.
- ما يكون من غلبة الطبع.
- ما يريه اللَّه عز وجل نفس الحالم إذا صفت من أكدار الحسد وتخلصت من الأفكار السيئة.
و ((علم النفس)) الحديث يتفق مع ابن حزم في النوعين: الثاني والثالث، ويخالفه في الأول والرابع؛ لأنهما يستندان إلى أمر ((غيبي)) والغيبية مرفوضة في بحوث علم النفس!!
وقد وقع علم النفس وعلماؤه في حيرة بسبب رفض هذين النوعين!!
إذ كيف يمكن تفسير الرؤى الصادقة، التي تحقق في عالم الواقع، وفق قواعد علم النفس ومقرراته؟!
6 - ماذا يفعل من رأى ما يحب؟
وماذا يفعل من رأى ما يكره؟
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي قتادة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((الرؤيا الصالحة من اللَّه، والحلم السوء من الشيطان، فمن رأى رؤيا يكره منها شيئًا فلينفث عن يساره وليتعوذ باللَّه من الشيطان فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحدًا، فإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب)).
وأخرج مسلم وأبو داود من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم: ((أمر من رأى ما يكره أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه، وأمره أن يصلي)).
فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين، يأمر من رأى ما يكره بخمسة أشياء:
1 - أن ينفث عن يساره.
2 - أن يستعيذ باللَّه من الشيطان.
3 - أن لا يخبر بها أحد.
4 - أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه.
5 - أن يقوم إلى الصلاة. [((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم ج2 ص92].
ويأمر من رأى ما يحب بشيئين:
1 - أن يستبشر. ... 2 - أن لا يخبر بها إلا من يحب.
وقد قال مالك رضي اللَّه عنه: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت. (يتبع).