الحمد لله الذي جعل الليل و النهار آيتين، و خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، والصلاة والسلام على رسوله الذي أرسله للعالمين بشيراً و نذيرا.. وبعد :
فقد أظلنا عام جديد فوجد أمتنا في حالٍ يرثى لها، قد أحاطت بها الفتن، وعمَ البلاء و الشقاء، وازداد المسلمون من الله بعدا، واتعبوا خطوات الشيطان فأمرهم بالفحشاء و المنكر، و تمرد الكثير من الحكام على الشريعة، و أعرضوا عن الكتاب و السنة فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون، أذاقنا الله لباس الجوع ولباس الخوف بما كسبت أيدينا،واقترفت جوارحنا.
و قد نبأنا الله من أخبار المنافقين، وحذرنا من صفاتهم التي منها ما ذكره في قوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126].
إنها آية عجيبة !! يخبرنا الله فيها أن قد اختبر المنافقين بصنوف شتى من الآيات والفتن، اختبرهم بالجوع و القحط و الشدة، وابتلاهم بالأمراض و الأوجاع، وأظهر لهم آية أخرى في تحقيق و عد الله لرسوله بالنصر في الجهاد و الغزو، ومع ذلك فهم لا يتوبون، ولا يتذكرون.
و إذا كان القرآن الكريم قد أخبر عن المنافقين أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين، و أن ذلك يكفى للتوبة و التذكرة، ولكنهم لا يفعلون.
أقول: إذا كان ذلك كذلك فإننا نفتن ونختبر بأنواع البلاء والآيات في كل عام سبعين مرة، ومع ذلك فواقعنا يشهد أنه لا توبة ولا تذكر !!
و الفتن التي أحاطت بنا في عامنا كثيرة و متنوعة سواء على المستوى الخاص في مجتمعنا أو المستوى العام في أمتنا.
ففي مجتمعنا : فقر و جوع مقترنان بالطمع و عدم القناعة في كثير من طبقاته و غنى مقترن بالجحود و عدم الشكر في قليل من أفراده، وإن شئت فقل : اقتصاد منهار و السر يكمن في الربا !! الذي توعد الله من وقع فيه بالحرب من الله ورسوله... !!
وفي مجتمعنا وقع الزلزال الذي كان حديث الناس أيامً معدودات، و كان ما فيه من الرعب و الخوف الذي ملأ قلوبنا يكفى في العودة إلى الله بالفرار إليه، ومع ذلك قلنا : سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء !!
وفى مجتمعنا نحارب الحجاب و النقاب فتقع حوادث الإغماء الجماعي في مدارس البنات بصفة خاصة !! إنها علاقة قوية بين أمرين يراها من أنار الله بصيرته بالإيمان.
وفى مجتمعنا أذاقنا الله لباس الخوف بعد لباس الجوع، فوقعت هذه الحوادث الأمنية المتكررة التي يتحاور أطرافها بالسلاح، وهى فتنة عظيمة ليس لها من دون الله كاشفة.
وفى أمتنا :
حدثت مأساة القرن العشرين في البوسنة و الهرسك، وهى حرب صريحة على الإسلام قد أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118ٍ].
ومن قبلها كانت ولازالت مشكلة فلسطين التي استعصت على الحل، وهى صورة تطبيقية للصراع الدائر و الدائم بين اليهود والفلسطينيين.
وفى أمتنا وقفت أفغانستان مجاهدة في سبيل الله ثم نزغ الشيطان بينهم بعد النصر فأصبحوا يهلك بعضهم بعضا ويسبى بعضهم بعضا.
ومن وراء كل مشكلة من هذه تقف الأمم المتحدة التي اشتراها اليهود لحسابهم لتبارك هذه المشاكل وتبحث عن الوسائل الممكنة لزيادة المشكلة وتعقيدها.
ومهما تحدثنا عن مشاكلنا فإن لغة الواقع أصدق قليلاً من لغة الكتابة، ولقد آن الأوان لكى نقف وقفة جادة صادقة مع أنفسنا لنتساءل أين الطريق ؟ بل أين المفر؟!.
و حتى نقف على الجواب الصحيح فإنه لابد لنا من وعى وإدراك وبصيرة.
وبهذه الوسائل نستطيع –بفضل الله- أن نعرف الحقيقة.
إننا لن ننصر إسلامنا من خلال الشعارات و الهتافات أو المظاهرات والإضطرابات !! و إنما ننصره إذا أخذنا بأسباب النصر، ولا يمكننا أن نأخذ هذه الأسباب إلا بعد دراسة واعيةٍ و إدراك كامل لما يراد بنا و منا و لنا !!
إن الإسلام يواجه حقد الأعداء، وجهل الأتباع، وتقصير الدعاة إليه.
فأما حقد الأعداء فهو حقد دفين أسود في صدورهم لا يموت إلا بموت صاحبه، أو بدخوله في الإسلام صادقاَ لا مخدوعاً، ومن الأدلة على ذلك:
1 – كتاب الرئيس الأمريكي السابق نيكسون [انتهزوا الفرصة] الذي هاجم فيه الإسلام هجوماً عنيفاً واتهم المسلمين بالفقر والجهل والتخلف والتطرف، ونصح قومه ودول الغرب بضرورة القضاء على الإسلام قبل أن تؤتى الصحوة الإسلامية ثمارها.
وتطبيقاً لما جاء في الكتاب فإن أمريكا ودول الغرب تبارك الصراع الذي يحدث في مصر الآن، لأنه يحقق لهم أهدافهم بسهولة ويسر.
2 – عندما ألف سلمان رشدي المرتد كتاب [آيات شيطانية] استقبلته أمريكا عندما زاراها استقبال الفاتحين على المستويين الرسمي والشعبي و أثنى الإعلام الأمريكي عليه ثناءً بالغاً وعبر الجميع عن فرحتهم وسعادتهم لأن هذا الزنديق قد هاجم الرسول – صلي الله عليه وسلم-وزوجاته.
3 – في لندن ومنذ بضعة أشهر ظهر في الأسواق حذاء سعره 120 دولاراً كتب عليه آيات من القرآن الكريم باللغة العربية.
4 – في إيطاليا – منذ سنوات- أقيم ملهى ليلى أطلقوا عليه اسم [مكة].
وبعد هذا البيان فإننا نحتاج إلى خطة محكمة نواجه بها الأعداء وليس بالشعارات والهتافات.
§ و أما جهل الأتباع: فهو أمر واقع لا يحتاج إلى بيان وهذا الجهل يرجع في غالبه وأكثره إلى التعتيم الإعلامي البغيض الذي يحول بين المسلمين وبين معرفتهم الصحيحة لأحكام الدين ومسائله.
و يرجع الجهل في جانب منه إلى انقراض دور الأسرة و المؤسسات التعليمية في تربية الأجيال.
§ و أما تقصير الدعاة فهذا يحتاج إلى وقفة جادة من جميع المؤسسات الدعوية : الأزهر- الأوقاف - أنصار السنة - الجمعية الشريعة - دعوة الحق - وغير هؤلاء.
يجب على الجميع أن يضعوا الخطط اللازمة لرفع مستوى الدعاة بحيث يصل الداعية - بالتدريج- إلي القدر الذي يمكنه من إقامة الحجة وسوق الأدلة ورد الشبهة مع رفق الدعوة ولين في الكلمة وإحسان في الموعظة وحكمة في القول.
· وبعد
لقد آن الأوان ونحن نستقبل العام الجديد أن نراجع أنفسنا، و أن نتدبر سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، و أن ننتفع بدروس الهجرة المباركة، حتى نحقق العود الحميد إلى الله.{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ َفطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].
بلى يا رب قد آن الأوان.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.