الحمد لله الذى خضعت له الرقاب، وأشرقت لنور وجهه الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة والصلاة والسلام على رسوله الذى أرسله ونصره وأظهره !.. وبعد.
فإن الله قد اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالى ليلة القدر.
وقد عظم الله حرمات الأشهر الحرم، وجعل الظلم فيها أعظم خطيئة، ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم فى كل حال عظيماً، سواء ظلم الإنسان نفسه أو غيره.
والعمل الصالح فيها كذلك أعظم أجراً كما بين ذلك أهل العلم.
وقد ذكر القرآن الكريم الأشهر الحرم فى قوله تعالى: " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " ( التوبة -36 ).
وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الأشهر الأربعة الحرم بقوله فى الحديث المتفق عليه : " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مُضَر الذى بين جمادى وشعبان ".
وقوله -صلى الله عليه وسلم- : " ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " إنما أضافه إلى مُضر ليبين صحة قولهم فى رجب أنه الشهر الذى بين جماد وشعبان لا كما تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذى بين شعبان وشوال وهو رمضان، فبين النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه رجب مُضَر لا رجب ربيعة.
قال ابن كثير رحمه الله : " وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، فحّرم قبل شهر الحج شهراً وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال ( حتى يمكنهم السفر إلى الحج )، وحّرم شهر ذا الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بآداء المناسك، وحّرم بعده شهراً آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين. وحّرم رجب فى وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً.
وهكذا ترى أن العرب كانت تعظم الأشهر الحرم فى جاهليتها وتحّرم فيها القتال والعدوان على الغير.
وجاء الإسلام فكان أشد تعظيماً لحرمتها، وقد جعل لها من الخصائص ما ليس لغيرها من شهور العام.
* فالأشهر الحرم يحرم فيها القتال والاعتداء على الغير فى أحد قولى العلماء. ولكن يجب فيها رد عدوان المعتدى لقوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ".
* والأشهر الحرم يكون الذنب فيها أشد تحريماً وأعظم وزراً !! والظلم فيها أعظم من الظلم فى غيرها !
* والأشهر الحرم يضاعف فيها الأجر والمثوبة لكل عمل صالح.
* والأشهر الحرم هى أشهر الأمن.
ونحن اليوم فى شهر حرام ! ننظر حولنا فنرى أن الاعتداء على المسلمين قد أصبح سمة واضحة للغرب والشرق على سواء !
ثم ننظر فى داخلنا فنرى الحديث عن السياحة وأمن السائحين !
ونرى من يتصدرون للفتوى قد أصابتهم جرأة غريبة على شرع الله !
ونصبت وسائل الإعلام فخاً صادت به بعض العلماء !! وتعجب العامة من صنيعهم ! عندما نطقوا بغير الحق فقالوا : السياحة حلال ! هكذا بغير ضوابط شرعية.
* واستيراد الخمر حلال لا شىء فيه ما دام لا يضر بالبلاد !!!
* ودخول السائحات الكافرات إلى المساجد الأثرية حلال !
* وقالوا من قبل : فوائد البنوك حلال !
* والغناء.. حلال بغير ضوابط ولا قيود.
* والحلال... الحلال !!
ونعوذ بالله من فتنة المحيا والممات ! ونسأله حسن الخاتمة ! وكان على هؤلاء أن يبينوا الحق، وأن يشهدوا بالصدق.
فإن السياحة منها ما يكون واجباً !! كالحج مع القدرة المالية والبدنية للمسلم. ومنها ما يكون مستحباً أو مباحاً بحسب الحاجة إليه كسفر التجارة وسفر النزهة فى غير معصية، والسير فى الأرض بقصد التدبر والاعتبار. ومنها ما يكون حراماً كسفر المعصية، والسياحة المختلطة والمقرونة بشرب الخمر والرقص وسائر المعاصى وإدخال العملات المزيفة إلى مصر !! وفى كل الأحوال فإن السياحة المحرمة لا يباح معها قتل السائحين !! والله قد حّرم علينا أن نسمى الحرام بغير اسمه.
والسياحة كذلك ليست لقمة عيش فى كل بيت كما تزعم جريدة الأخبار وليست صمام الأمان لاقتصاد مصر كما تزعم وزارة السياحة، بل إن ذلك طعن فى التوكل، وأخذ بالأسباب على غير وجهها المشروع !!
بل الحق الذى لا شك فيه أن الله عز وجل قد تكفل بأرزاق عباده جميعاً، ولم يأذن لهم فى أخذ الحرام، ونهاهم عن الركون إلى غيره فى أرزاقهم وسائر أمورهم، وعلى هذا فكساد السياحة لا يقطع عيشاً !! ولا ينقص رزقاً ! وقد خشى المسلمون على أنفسهم الفقر ! فأنزل الله قوله تعالى : " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ".
وذلك أن المشركين كانوا يأتون مكة بالتجارة والسلع المختلفة، وكان المسلمون ينتفعون بذلك ويستفيدون من توافد المشركين إليهم، والتجارة فى ذلك الوقت هى عمود اقتصادهم، ومصدر دخلهم ومع ذلك فقد أمرهم الله بمنع المشركين من دخول الحرم، فوقع فى أنفسهم الخوف من الفقر، وانهيار الاقتصاد، فبين الله لهم ولنا أن الدخول فى طاعة الله وامتثال أمره من موانع الفق وأن الرزق من فضل الله لا من فضل السياحة !!
والعجب لا ينقضى من بعض وسائل الإعلام التى تدور مع الباطل حيث دار، وتقيل معه حيث قال !! لا تصدع بالحق ولا تنطق بالصدق. وكنا نرجو من هؤلاء أن يدافعوا عن الإسلام وأن ينصروه.
وقد كشفت الماسونية المصرية عن وجهها بعد أن أفتاها المفتون أن النقاب ليس واجباً على المرأة !!
وخرجت الفئران من جحورها تريد أن تهلك الحرث والنسل، وأن تأتى على الأخضر واليابس.
يريدون أن يبدلوا كلام الله، وهم يكفرون بالرحمن فيقول قائلهم : " العلمانية هى الحل " !!
لقد آن الأوان لكى يدافع المسلمون عن دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة. فإن الإسلام ليس مسئولية مجموعة بعينها وإنما هو مسئولية كل مسلم على وجه الأرض.
يجب على الحاكم المسلم أن يدافع عن الإسلام وأن يغار عليه !
ويجب على الوزير المسلم أن يدافع عن الإسلام.
وعلى القاضى المسلم أن يدافع عن الإسلام.
وعلى الضابط المسلم أن يدافع عن الإسلام.
وعلى الرجل المسلم والمرأة المسلمة والأمة بأسرها أن تدافع عن الإسلام.
" وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ".
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.