ورحل فضيلة الشيخ/ عبد الرازق عيد

د. أيمن خليل

بيانات المقال

السنة

50 (1442هـ)

العدد

594 (جمادى الآخرة)

الصفحات

12: 13

التاريخ الميلادي

2021م

 

ولد فضيلة الشيخ/ عبد الرازق السيد إبراهيم عيد بقرية الخيارية مركز المنصورة في العاشر من جمادى الآخرة لعام 1364هـ الموافق 23/11/1945، وحفظ القرآن الكريم على والده الشيخ/ السيد إبراهيم عيد، وكان من الحفاظ المتقنين، وعنه أخذ تلاوة القرآن وحسن الصوت، ثم انتقل مع والأسرة إلى بني عبيد حيث مكث بها حتى رجع إلى مدينة المنصورة عام 1973، حيث كان والده مؤذنًا بمسجد النصر بمدينة المنصورة (وهو المسجد الأول بمحافظة الدقهلية).

وكان الشيخ/ عبد الرازق عيد ثمرة طيبة أنبتتها دعوة أنصار السنة التي شهدتها مدينة المنصورة على أيدي العديد من دعاة شربين الأفاضل مثل الشيخ/ عبد الباقي الحسيني (عليه رحمة الله تعالى) الرئيس الأسبق لفرع شربين وعضو المركز العام من قبل، والشيخ/ محمد أبو راشد حشيش الداعية المفوه بشربين، ثم رئيس فرع المنصورة وعضو المركز العام. ولذلك كان فضيلة الشيخ/ عبد الرازق عيد يحفظ للإخوة الكرام بشربين فضلهم وكان دائم التواصل معهم وتفقد أحوالهم، وحينما تعرض فرع شربين لمحنة منذ سنوات خلت كان مهمومًا بشأنهم وحريصًا على متابعة أخبارهم ومساندتهم عرفانًا منه بفضل فرع شربين على نشر دعوة أنصار السنة بمحافظة الدقهلية وما جاورها.

وفي يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من شهر صفر لسنة 1398 هـ الموافق 20/1/1978 انعقد الاجتماع الأول لجمعية أنصار السنة المحمدية بالمنصورة والتي كانت تسمى"جمعية جماعة أنصار السنة المحمدية بالمنصورة"، ورأس هذه الجلسة السيد/ عوض الكريم عباس علي باعتباره أكبر الأعضاء سنًا بينما تولى سكرتارية هذه الجلسة أصغر الأعضاء سنًا وكان فضيلة الشيخ/ عبد الرازق السيد إبراهيم عيد وكان عمره آنذاك ثلاثة وثلاثين سنة، وبهذه الجلسة تمت الموافقة بالإجماع على اختيار الشيخ/ محمد أبو راشد حشيش (عليه رحمة الله تعالى) رئيسًا للمجلس، والشيخ/ بدوي عبد الفتاح - متعه الله بالصحة والعافية - نائبًا له (وأصبح فيما بعد رئيسًا للمجلس بعد وفاة الشيخ/ محمد أبو راشد حشيش (عليه رحمة الله تعالى)، بينما تم اختيار الشيخ/ عبد الرازق عيد ليكون سكرتيرًا (أمينًا عامًا) لجمعية أنصار السنة المحمدية بالمنصورة.

وحينما تم اكتمال الطابق الأرضي من مجمع التوحيد وحضر السيد الوزير/ محافظ الدقهلية لصلاة الجمعة بمسجد التوحيد وبرفقته السيد اللواء/ مدير الأمن وفضيلة وكيل وزارة الأوقاف بالدقهلية ومأمور قسم ثان المنصورة ولفيف من رؤساء المصالح الحكومية ووعد السيد الوزير/ محافظ الدقهلية بمساعدة مالية لاستكمال المباني، و بمناسبة افتتاح مسجد التوحيد بالمنصورة لإقامة الشعائر الدينية رغم استمرار أعمال البناء به تم اختيار الشيخ/ عبد الرازق عيد ليكون أول إمام للصلوات بمسجد التوحيد، وكان ذلك أمر طبيعي لسلامة منهجه مع كونه من الحفاظ المتقنين مع حسن الصوت الذي من الله عليه به.

وظل الشيخ/ عبد الرازق عيد سكرتيرًا لجمعية أنصار السنة المحمدية بالمنصورة وإمامًا بمسجد التوحيد بالمنصورة حتى سفره للسعودية ثم للإمارات للعمل بالتدريس بهما، وكان عند سفره مدرسًا للغة العربية بمدرسة أم المؤمنين الثانوية بنات.

وبعد عودته إلى مصر واستقراره بها أصبح الأمين العام لجمعية أنصار السنة المحمدية بالمنصورة مرة أخرى وذلك منذ عام 2010 وحتى وفاته - رحمه الله تعالى-.

وكان الشيخ/ عبد الرازق عيد رغم سفره دائم التفقد لأحوال إخوانه وأبنائه الدعاة والعاملين في حقل الدعوة إلى الله تعالى، حتى وهو خارج البلاد حيث كان يتصل هاتفيًا بصفة مستمرة للاطمئنان على أحوال الدعوة والجمعية.

وكان شديد الوفاء لإخوانه يعرف ذلك كل من عرفه، ولذلك كان حريصًا على الالتقاء الدوري بالوالد الكريم الشيخ/ بدوي عبد الفتاح الرئيس الأسبق لجمعية أنصار السنة المحمدية بالمنصورة، والذي جمعتهما الدعوة وعضوية مجلس الإدارة منذ ما يزيد على أربعين سنة (فالشيخ بدوي من قولنجيل التي شهدت مولد دعوة أنصار السنة بالمنصورة) وكان الشيخ/ عبد الرازق كثيرًا ما يذهب لصلاة الفجر معهم، وكان هو الذي يحمل لهم مجلة التوحيد شهريًا وذلك طيلة سنوات، وليلة وفاته سأل عن العدد الجديد من مجلة التوحيد (عدد جمادى الأولى) وكان يعتزم أن يصلي الفجر في مسجد التوحيد بقولنجيل وأن يوصل لهم مجلة التوحيد كعادته، ولكن استرد الله سبحانه الوديعة قبل صلاة الفجر.

كما كان شديد الحرص على أبنائه بقرية الخيارية مسقط رأسه، وكلما اختلفت معهم في أمر من الأمور الإدارية  - لأنهم كان مكتبًا تابعًا لفرع المنصورة قبل إشهارهم كفرع مستقل- كان الشيخ/ عبد الرازق عيد يحضرهم إلى الجمعية ولا ينصرف حتى يثنيني عن عزمي معهم، فلمست مدى حبه وبره بهم، ولذا كانت سعادته جمة حينما أشهر هذا المكتب كفرع مستقل.

وكان من المقربين إليه فضيلة الشيخ/ زكريا الحسيني عضو المركز العام لأنصار السنة والمدير الأسبق إدارة شئون القرآن، والمدير الأسبق لإدارة الدعوة والإعلام (عليه رحمة الله تعالى) والذي توطدت الصلة بينهما أثناء وجودهما بالسعودية، ثم أسفرت عن مصاهرة فتزوج ابن الشيخ/ زكريا الحسيني من ابنة الشيخ/ عبد الرازق عيد (تغمدهما الله تعالى بواسع رحمته ومغفرته).

وكان الشيخ/ عبد الرازق عيد زاهدًا في الدنيا متقللا منها، رقيق القلب، شديد البشاشة، محبًا لإخوانه، ورغم ذلك كان شديد الحمية والغيرة على دين الله عز وجل، وكان شديد النشاط في الدعوة حتى إن المرء لا يتصور أنه قد جاوز السبعين من عمره وهو يجوب  المساجد داعية لله عز وجل، وكان منهجه الذي يحرص عليه إصلاح الواقع بالنص القرآني، ولذلك كان يعالج الخلل في المجتمع من خلال آيات القرآن الكريم.

وكان للشيخ/عبد الرازق عيد مواقف صدق لا تنسى علمنا فيها دروسًا عملية لا تحصيها الكلمات البليغة، ومن ذلك ما حدث حينما توفيت كبرى بناته وأقربهم إلى نفسه (عليها رحمة الله تعالى) عام 2010م - وكانت زوجة د./ تامر متولي المدرس بكلية الدعوة بحائل- لم نرى رغم شدة المصاب إلا صبرًا وتسليمًا لقضاء الله تعالى، في موقف - يعجز عنه كثير من الناس - ينم عن إيمان عميق بالله عز وجل.

وكان للشيخ/ عبد الرازق عيد مواقف لا تنسى في الدعوة ففي يوم الجمعة الموافق 17 جمادى الأولى لعام 1399هـ الموافق 9 إبريل 1979 كان خطيب الجمعة بمسجد التوحيد الشيخ/حمزة أبو النصر الداعية بالمحلة الكبرى ولكنه لم يحضر الخطبة، وكان الشيخ/ عبد الرازق عيد خطيبًا احتياطيًا له، وتأخر في الحضور ثلاثة دقائق بعد الآذان، فساد القلق بين المصلين، وإذا بأحد الأفراد يستغل هذه الفرصة ويصعد المنبر وبدلا من خطبة الجمعة خطب خطبة سياسية شديدة البأس تناول فيها ولاة الأمور بالسب على المنبر، فما كان الشيخ/ عبد الرازق عيد إلا أن تقدم هو ليصلي بالناس ومنع هذا الخطيب من إمامة المصلين في صلاة الجمعة، وبعد الصلاة اعتذر الشيخ/عبد الرازق عيد للمصلين عن سلوك هذا الخطيب مؤكدًا أن هذا المنهج ليس منهج جمعية أنصار السنة المحمدية.

وكان للشيخ/عبد الرازق عيد ولإخوانه في جمعية أنصار السنة بالمنصورة فضل السبق في أداء صلاة العيد بالخلاء بالمنصورة، ولم يكن هذا بالأمر المشتهر آنذاك، حيث أديت أول صلاة عيد بجوار مسجد التوحيد بالمنصورة، ثم بميدان مبنى محافظة الدقهلية، حتى خصص محافظ الدقهلية الملعب الكبير بإستاد المنصورة الرياضي ليكون ساحة أداء صلاة العيد بإشراف جمعية أنصار السنة بالمنصورة واستمر ذلك لما يزيد عن ثلاثين عامًا.

 ومن مواقفه التي تحمد له أنه طيلة عمله بالدعوة لم يحصل على بدل انتقال لأداء الخطب والمحاضرات محتسبًا الأجر على ذلك عند ربه عز وجل.

وكان للشيخ/عبد الرازق عيد مقالة ثابتة بمجلة التوحيد عن القصة في القرآن الكريم؛ كانت سلسلة تناول فيها قصص القرآن الكريم عامة وقصص الأنبياء خاصة واستخرج منه العظة والعبرة والفوائد والأحكام، ومؤخرًا انتقل إلى الكتابة في التاريخ الإسلامي تحت عنوان"من الأحداث المهمة في تاريخ الأمة"، فتحدث عن الفتنة بين الصحابة ورد على كثير من الشبهات،وذلك من خلال تناوله لمعركة صفين، كما تناول العديد من الأحكام الفقهية الدقيقة كقتال أهل البغي، ومعاملة الأسرى، ويشير إلى بقاء الأخوة رغم التقاتل.

وكان آخر ما كتب الشيخ/عبد الرازق عيد عن معركة أجنادين - وهي أول لقاء بين المسلمين وبين الإمبراطورية الرومية في فتوحات الشام في خلافة أبي بكر الصديق- وقد أجاد وأفاد في هذا المقال، وختمه بقوله:"... هذا ما تيسر إيراده في هذه العجالة، وإن كتب الله لنا البقاء واللقاء نفرد لقاءً خاصًا بالدروس المستفادة من فتوح الشام...". وقرأت هذا المقال فجر الخميس ويعلم ربي سبحانه وتعالى أني انتويت أن اتصل بشيخنا الكريم هذا اليوم لأشكره على هذا المقال الطيب ولكني فوجئت باتصال هاتفي في التاسعة من صباح يوم الخميس الثاني من جمادى الأولى الموافق 17/12/2020؛ من د. حسن إبراهيم - الذي عرف أنصار السنة من خلال الشيخ/عبد الرزاق عيد وتولى سكرتارية الجمعية بالمنصورة بعد سفره إلى السعودية ثم الإمارات، وقدر الله أن يتولى الأمانة العامة بعد وفاته عليه رحمة الله تعالى - يخبرني فيه بوفاة شيخنا الحبيب.

وصلى عليه إخوانه وأبناؤه وأحباؤه صلاة الجنازة في قرية الخيارية التي ولد فيها ودفن فيها بعد رحلة عامرة بالدعوة إلى الله تعالى، وأمنا في صلاة الجنازة فضيلة الشيخ/ عبد الله رجب الرئيس الأسبق لجمعية أنصار السنة بالمنصورة وصَفيّ فضيلة الشيخ/عبد الرزاق عيد وجاره وكان بينهما من الود الخالص والمحبة في الله ما زادته السنون رسوخًا، ولذا لا نعجب حينما نجد أن الشيخ/عبد الرزاق عيد كان ظئرًا (والدًا من الرضاع) لابن الشيخ/ عبد الله رجب.

وهذا مثال على أن الشيخ/عبد الرزاق عيد قد تداخل في حياة جميع إخوانه، فكان ناظمة العقد لأنصار السنة بالمنصورة، وكان مثالا صادقًا على الحب لدين الله عز وجل، والإخوة الصادقة في الله، والحرص على السنة والتمسك بها، مع تواضع جم ولين ظاهر لجميع إخوانه ولا نزكيه على الله تعالى.

والمصيبة في والدنا الكريم وشيخنا الحبيب فضيلة الشيخ/عبد الرزاق عيد بلية عظيمة وثلمة لا تسد، وإن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقه لمحزونون، ولا نملك إلا أن نمتثل لأمر بنا عز وجل: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، ولأمر نبينا صلى الله عليه وسلم: "اللهم أجرنا في مصيبتا وأخلف لنا خيرًا منها"، اللهم اغفر  لشيخنا/عبد الرزاق عيد وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يارب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه.... اللهم آمين.