الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر، أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، ورسوله المجتبى، وبعد :
فإن من قواعد الشريعة المجمع عليها؛ قاعدة النهي عن التشبه بالكافرين - وهم غير المسلمين - والأمر باجتناب هديهم بصفة عامة، واجتناب أعيادهم بصفة خاصة.
وقد ثبت في تحريم ذلك كله أدلة قاطعة، وقامت عليه حجج دامغة.
ومع هذا فقد وقع أكثر المسلمين - عن قصد، أو غير قصد - في هذه المعصية، وارتكبوا كبيرة التشبه والتقليد في صوره المختلفة؛ في العادات والتقاليد، واللغة، والأعياد، والاحتفالات، والأكل والشرب، وغير ذلك مما يفعله المتشبهون، ويجتنبه المؤمنون الطائعون.
وفي قول الحق جل وعلا : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور ) [ الفرقان :72]، فسَّر طائفة كبيرة من أهل العلم ذلك الزور : بأنه أعياد المشركين، ومن هؤلاء العلماء : محمد بن سيرين، ومجاهد، والقاضي أبو يعلى، والضحاك وغيرهم.
هذا وقد ثبت في السنة الصحيحة أيضًا أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (ما هذان اليومان ؟)، قالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما : يوم الأضحى، ويوم الفطر )، رواه أبو داود والنسائي وأحمد.
وقد ثبت في السنة الصحيحة أيضًا ما يدل على أن الله عز وجل قد خصنا بأعياد لا يشاركنا فيها غيرنا، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم، وجاء فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر رضي الله عنه : (إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم).
فتبين من الحديث الأول: أن الشريعة قد حرمت علينا أن نشارك غيرنا في أعيادهم، سواء بالتهنئة، أو الحضور، أو أي صورة أخرى من الأقوال، أو الأفعال، أو الإقرار !
وتبين من الحديث الثاني : أن الشريعة قد جعلت لنا أعيادًا نتميز بها، هما : عيد الفطر، وعيد الأضحى، لا يشاركنا فيها غير المسلمين، ولا يجوز لنا أن نزيد عليها أعيادًا أخرى، لأن الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية التي لا يجوز الابتداع فيها، أو إحداث شيء منها غير ما شرعه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وتعد أعياد الميلاد من أهم أعياد غير المسلمين التي نهت عنها الشريعة، وتنقسم هذه الأعياد إلى ثلاثة أقسام :
*أعياد ميلاد الأولياء (الموالد).
*أعياد ميلاد المسيح عليه السلام (عند النصارى).
* أعياد الميلاد الخاصة.
· أما القسم الأول : وهو الموالد؛ فمن المعلوم أنه بدعة منكرة، وضلالة ظاهرة، والقائمون عليها يعلمون أنها كذلك؛ ولكنهم: ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) [ النمل :14]، ومن العجيب في هذه البدعة أن هؤلاء الأموات لم يكونوا يقيمون لأنفسهم أعياد ميلاد في حياتهم؛ فلما ماتوا جاء أرباب البدع بهذه المنكرات، وتلك الضلالات.
وقد صدرت الفتاوى الكثيرة من الأزهر الشريف، ودار الإفتاء السعودية، ومع انتشار الوعي الديني، ونمو المعرفة، واتساع دائرة التعليم انفض كثير من المسلمين عن هذه البدع، وتابوا إلى الله منها.
ونحن نرجو من الله أن يوفق هذه الأمة إلى التمسك بالكتاب والسنة، والاستقامة على صراطه باتباع الرسول الذي أرسله، والكتاب الذي أنزله.
· وأما القسم الثاني : وهو أعياد ميلاد المسيح عليه السلام، والتي يقيمها النصارى في بداية ونهاية السنة الميلادية، فإن ذلك يحتاج من كل مسلم أن يجتنبها، وأن يحذر منها غيره.
وقد جاءت الآثار التي تنهى غير المسلمين عن إظهار أعيادهم بصفة خاصة، أو التشبه بالمسلمين بصفة عامة، ومن أشهرها ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسند جيد، وكذلك غيره من الأئمة من بعده، وسائر الفقهاء أنهم جعلوا في الشروط المشروطة على أهل الذمة من النصارى ما يلي :
(أن نوقر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا، إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء، من لباسهم : قلنسوة، أو عمامة، أو نعلين، أو فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئًا من السلاح، ولا نحمله، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رءوسنا، وأن نلزم زيَّنَا حيثما كان، وأن نشد الزنانير (1) على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، ولا نظهر صليبًا، ولا كتبًا، في شيء من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضربًا خفيًّا، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ) (2).
ويبدو - بوضوح وجلاء - من خلال هذه الوثيقة الثابتة مقدار الفجوة الواسعة بين مسلمي اليوم، ومسلمي الأمس.
إن كثيرًا من المسلمين اليوم يشارك غير المسلمين في أعيادهم بصورة تجعل الناظر إليهم يعتقد أن هذه الأعياد هي أعياد المسلمين ما دام أن اهتمامنا بها يفوق اهتمام أصحابها !!
وأهم ما ينبغي أن يتنبه له المسلمون هو أن هذه الأعياد أعياد دينية، وليست دنيوية، فعيد الفصح - عندهم - : هو عيد ذكرى قيامة المسيح من الموت بعد الصلب (3) !!!
ويحتفلون كذلك بالخميس الصغير؛ وهو الواقع قبل آخر خميس من أيام صومهم، ثم يحتفلون بالخميس الكبير، وهو آخر صوم النصارى، ويسمى : عيد المائدة، ويلي ذلك يوم الجمعة، ويسمونها، جمعة الصلبوت، أي : التي صلب فيها المسيح بزعمهم الكاذب، ثم يوم السبت، ويسمونه : ست النور ! ثم يوم الأحد، وهو العيد الكبير عندهم؛ وهو اليوم الذي يزعمون أن المسيح قام فيه !!
ثم يليه بعد أسبوع الأحد الحديث يلبسون فيه الجديد، ويحتفلون به، وكل هذه الأيام قد نبه أهل العلم على أنها أيام عيد، وحذَّروا الأمة أن تقتدي بهم، أو تتشبه في شيء من ذلك.
أضف إلى ذلك هذه المنكرات والفواحش التي أضافوها إلى أعياد الميلاد.
· وأما القسم الثالث : أعياد الميلاد الخاصة التي يقيمها بعض المسلمين في بيوتهم لأنفسهم، أو لأبنائهم بشموع، أو بغير شموع، فهذا من البدع المنكرة، وهي صورة واضحة من صور التشبه بغير المسلمين؛ ترجع إلى نقص في الإيمان، وجهل بأحكام الشريعة، وتقليد أعمى بغير تفكر ولا تدبر.
إن الإسلام لا يرضى لأتباعه أن يقيموا أعياد الميلاد، ولا أن يشاركوا فيها، أو يرضوا بها، أو يقر بعضهم بعضًا عليها، سواء كانت أعياد ميلاد للأولياء، أو ما يفعله النصارى، أو كان أعيادًا خاصة تقيمها البيوت، وترعاها الأسر.
فمن وقع في شيء من هذا فقد تشبه بغير المسلمين.
ومن تشبه بقوم فهو منهم، ومن أحب قومًا حشر معهم !
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
---
(1) الزنانير : جمع زنار؛ وهو : الحزام.
(2) (اقتضاء الصراط المستقيم) [ج1 ص 320].
(3) بيَّن القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام لم يُصلب، ومن التناقض أن يُشارك المسلم في أعياد يقيمها أصحابها للاحتفال بالقيامة بعد الصلب !!