محمد حامد الفقي
مُؤَسس جماعة أنصار السنة المحمديَّة
(1310هـ - 1378هـ - 1892م - 1959م)
والده:
الشيخ سيِّد أحمد عبده الفقي، وكان زميلاً في الدِّراسة بالأزهر للأستاذ الشيخ محمَّد عبده، بل كان يُساكِنه في بيت واحد بشارِع الباطنية.
والدته:
كانتِ السيِّدة الوحيدة في القرية التي تحفَظ القرآن، وتجيد القراءة والكتابة.
مولده:
وُلِد الشيخ محمَّد حامد الفقي بقرية نِكلا العنب في سنة 1310هـ، الموافق 1892م، بمركز شبراخيت، مديرية البحيرة.
نشأته:
حفِظ القرآن الكريم، وقد أتمَّ حفظَه في شهر رمضان في سنة 1322هـ، وقد كانتْ سِنُّه وقتذاك اثني عشرَ عامًا، وقد هيَّأه والدُه لتلقِّي العُلُوم بالأزهر، (على الطريقة التي كانتْ مُتَّبَعة وقتذاك).
دخوله الأزهر:
بدأ دراستَه بالأزهر في عام 1322هـ - 1904م، وكان يحبُّ أن يُقيَّد حنبليًّا، وأبى ذلك شيخُ الحنابلة، فانتسب للأزهر حنفيًّا، وبعد أن أمْضى في دراسته بالأزهر قرابةَ سِتِّ سنين بدأ في سنة 1910م بدِراسة الحديث والتفسير، ولَمَّا أمعن الشيخُ في دِراسة الحديث على الوجه الصحيح دعَا إلى التمسُّك بسُنَّة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لفظًا ومعنًى ورُوحًا.
فالتفَّ حوله نفرٌ من إخوانه وزملائه وأحبابه، وساروا معه في طريقِ الدعوة، وهذا يدلُّ على نبوغِ الشيخ المبكِّر، حيث لم يتجاوز سنُّه وقتَها ثمانية عشرة عامًا سَنة 1910م.
تخرجه:
تخرَّج - رحمه الله تعالى - في الأزهر الشريف، حيث نال شهادةَ العالميَّة سنَة 1917م، وعمره 25 عامًا، وانقطع منذ تخرُّجه لخِدمة كتاب الله وسُنَّة رسوله الأمين.
أنشَأ جماعةَ أنصار السُّنَّة المحمدية في عام 1345هـ/ 1926م تقريبًا، واتَّخذ لها دارًا بعابدين، ولقدْ حاول كبار موظَّفي قصر عابدين بكلِّ السُّبل صدَّ الناس عن مقابلته والاستماع إليه، حتى سخَّرُوا له مَن شرَع في قتْله، ولكن صرْخة الحقِّ أَصمَّت آذانهم، وكلمة الله فرَّقتْ جموعَهم، وانتصر الإيمانُ الحقُّ على البِدع والأباطيل[1].
تأسيس مجلَّة الهَدْي النبوي:
بعد أن أسَّس الشيخ - رحمه الله تعالى - جماعة أنصار السنَّة المحمديَّة، وبعد أن يسَّر الله له قراءةَ كُتب الإمامين ابن تيمية وابن القيِّم، واستوعَب ما فيها ووجَد فيها ضالَّتَه، أسَّس مجلة الهدي؛ لتكونَ لسانَ حال جماعته، والمعبِّرة عن عقيدتها، والناطقة بمبادئها، وصدر العددُ الأوَّل منها عام 1356هـ في مارس 1936م، وقد تولَّى رياسةَ تحريرها، فكان مِن كتاب المجلَّة على سبيلِ المثال لا الحصْر: الشيخ أحمد محمَّد شاكر، والأستاذ محب الدين الخطيب، والشيخ محيي الدِّين عبدالحميد، والشيخ عبدالظاهر أبو السمح - إمام الحرم المكي - والشيخ أبو الوفاء محمَّد درويش، والشيخ صادِق عرنوس، والشيخ عبدالرحمن الوكيل، والشيخ خليل هراس، كما كان مِن كتابها الشيخ محمود شلتوت.
أغراض المجلة:
وقد حدَّد الشيخ أغراضَ المجلة، فقال في أوَّل عدد صدَر فيها: "وإنَّ مِن أوَّل أغراض هذه المجلَّة أن تُقدِّم ما تستطيعه مِن خدمة ونُصْح وإرْشاد في الشؤون الدِّينيَّة والأخلاقيَّة، أخذتْ على نفسها موثقًا من الله أن تَنصَح فيما تقول، وأن تتحرَّى الحقَّ، وألاَّ تأخذ إلا ما ثبَت بالدليل والحجَّة، والبرهان الصحيح مِن كتاب الله تعالى، وحديث رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ ا.هـ.
جهاده:
يقول عنه الشيخ عبدالرحمن الوكيل: "لقد ظلَّ إمام التوحيد - في العالَم الإسلامي - والدنا الشيْخ محمَّد حامد الفقي - رحمه الله - أكثرَ مِن أربعين عامًا مجاهدًا في سبيلِ الله، ظلَّ يُجالِد قُوَى الشر الباغية في صَبْر، ومارَس التغلُّبَ على الخطوب، واعتاد النصْرَ على الأحداث، وإرادة تزلزل الدنيا حولَها، وترجُف الأرْض مِن تحتها، فلا تميل عن قصْد، ولا تجبُن عن غاية، لم يكن يعرِف في دعوته هذه الخوفَ مِن الناس، أو يلوذ به، إذ كان الخوفُ من الله آخذًا بمجامِع قلْبه، كان يُسمِّي كلَّ شيء باسمه الذي هو له، فلا يُداهن في القول، ولا يداجي ولا يبالي، ولا يَعرِف المجاملة أبدًا في الحقِّ أو الجهْر به، إذ كان يُسمِّي المجاملةَ نفاقًا ومداهنة، ويُسمِّي السكوتَ عن قوْل الحق ذُلاًّ وجبنًا".
جهاده - رحمه الله - في نشْر دعوة التوحيد:
عاش - رحمه الله تعالى - للدعوةِ وحْدَها قبل أن يعيش لشيءٍ آخَر، عاش للجماعة قبل أن يَعيش لبيته، كان في دعْوته يُمثِّل التطابقَ التام بيْن الداعي ودعوته، كان صبورًا جَلْدًا على الأحداث.
نُكِب في اثنين مِن أبنائه الثلاثة، فما رأى الناسُ منه إلا ما يَرَوْن مِن مؤمِن قوي، أسلَم لله قلبَه كلَّه[2].
ويقول الشيخ أبو الوفاء درويش[3]: "كان يُفسِّر آيات الكتاب العزيز، فيتغلغل في أعماقِها، ويستخرج منها دُررَ المعاني، ويُشبعها بحثًا وفَهمًا واستنباطًا، ويُوضِّح ما فيها مِن الأسرار العميقة، والإشارات الدقيقة، والحِكمة البالِغة، والموعظة الحَسَنة.
ولا يترك كلمةً لقائل بعده، بعدَ أن يُحيط القارئ أو السامِع علمًا بالفِقْه اللُّغوي للكلمات وأصولها، وتاريخ استعمالها، فيكون الفَهْم أتَمَّ، والعلمُ أكملَ وأشمل".
قلت: لقدْ كانت آخر آية فسَّرها قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾ [الإسراء:11].
وقد فسَّرها - رحمه الله - في عدد 6 و7 لسَنة 1378هـ في حوالي 22 صفحة.
لقدْ قامتْ جماعة أنصار السُّنة المحمدية على أيدي رِجال نَذَروا أنفسَهم لتطهيرِ الاعتقاد مِن أدران الإلْحاد، ومحارَبة البِدع والخُرافات والترهات، وجهْل الجاهلين، وإلْحاد المبطلين، وتأويل الضالِّين، فبدأتْ تُكافِح الخرافات، لا سيَّما ما كان متعلقًا منها بالعقائد، وتَرجِع بأعضائها، وكل من يشرف عليها إلى سُنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وطريقِ السَّلَف الصالح، وتُنيرهم بالمعارِف النبويَّة، وتُنشئهم على حبِّ الكتاب والسنَّة، وتُمرِّنهم على النزول على حُكْمهما مِن غيْر عصبيَّة.
هذا كلام مؤسِّسها الأوَّل الشيخ محمَّد حامد الفقي - رحمه الله - الذي كتَبه في مجلَّة الهدي النبوي في العدد الثاني الذي صدَر في جماد أول 1356هـ - 1937م، وكان الهدفُ مِن إصدارها كما يقول - رحمه الله -:
"قد كنتُ في حياتي الأُولى سالكًا مع السالكين، ومُلبِسًا مع الملبسين، مخرفًا مع المخرفين، وداعيًا إلى البِدعة والجاهلية، وعبادة الموتَى والخشَب والنُّصُب مع الداعين، فهداني الله إلى دِين الهُدَى، وكشَف عن بصيرتي حُجبَ الجَهْل والعَمَى، وبصَّرني بنور الحقِّ من كتاب الله وسُنَّة نبيِّه المصطفَى، ووفقني بفضلِه إلى سبيلِ السَّلَف الصالِح مِن الصحابة والتابعين، وأنقذني بذلك من طريقِ الرَّدَى، فذقتُ مِن يومئذ حلاوةَ الإخلاص والإيمان، وتحققتُ الفرْق العظيم بيْن الحقِّ والباطل، والهُدَى والضلال، وبيْن توحيد الأنبياء والمرسَلين، وتوحيد المشركين والجهميَّة المعطِّلين؛ وبيْن آيات الله وحديث رسوله، وبيْن شُبهات المبطلين وزخارف المفترين، وعرَفتُ لله تعالى مِنَّته العُظمى في تلك الهِداية، ونعمته الكبرى في هذا التوفيق، وكان مِن حقِّ هذه النِّعمة وأداء شكرها أن أقِفَ حياتي لإرْشاد الضَّال، وهداية التائِه، وإزالة الحُجُب عن القُلُوب، وإظهار الحقِّ للناس جهدَ طاقتي في ثَوْبه الجميل، وبيان مكايد شياطين الجنِّ والإنس، التي كادوا بها للإسلام؛ حتى يحذرَها إخواني منَ المسلمين كما حذرتُها، ويتَّقوها كما اتقيتها، وليذوقوا حلاوةَ الإيمان، ويعرفوا الله حقَّ معرفته، ويَقْدُروه حقَّ قدْره، فأسستُ مع خِيرَة من إخواني "جماعة أنصار السنَّة" من نحوِ عشرين سَنَة مَضتْ، وأصبح لها - والحمد لله - عِدَّة فروع في القاهِرة وغيرها، وأصبح - بحمدِ الله - ينضوي تحتَ لواء التوحيد الخالِص والسنة المحمدية الصحيحة - لا بالدعْوَى والاسم والزي - عددٌ غير قليل، وهذه مجلة الهدي النبوي وليدة هذه الفِكرة، واللِّسان المعبِّر عن هذه الدعوة، والقلم الراسم لهذه الخطة.
وهى أخت (الإصلاح) التي كنتُ أصدرها ببلدِ الله الحرام زمنَ الإمام المصلِح، والملك الراشِد المخلص (والذي أحسبه كذلك) عبدالعزيز آل سعود".
حال المجتمع يوم صدورِ الهدي النبوي:
وكان تسعة وتسعون في المائة من الأمَّة على هذه الجاهلية في عملها وعقيدتها وخُلُقها، وحكمها ونظامها قد ضرَب الجهل على القلوب نِطاقًا مظلمًا أسود، حجب عنها كلَّ هُدًى، وكل نور، ولكن الأكثرية الساحِقة على ما يرى الشيخ ويعلم مِن ذل القلوب للموتى، واستخذائها للأحجار والأشجار، واستكانتها وخشوعها للنُّصُب والمقاصِير والقُبُور، والأكثريَّة مُعرِضة عن التحاكُم في عقيدتها وعبادتها وماليتها وشؤونها إلى ما أنزَله الله منَ الهُدى والذِّكْر الحكيم؟
والأكثرية أيضًا على تحزُّب وتفرِقة وشتات بالطُّرق الصوفيَّة، والمذاهِب التقليديَّة، وكل حزْب بما لديهم فرِحون وعن حِزبهم وحْدَه يُخاصمون، وله يتعصَّبون، وبشيخهم وحْدَه يَثِقون، مهما كان قولُه مخالفًا للمعقول والمنقول، وفيه يعتقدون عِلمَ الغيب وتصريف الأقدار، والإنجاء من النار!
وقد تصدَّى الشيخ حامد الفقي لتصحيحِ تلك المفاهيم الخاطِئة مِن خلال تفسيره لبعض سُور القرآن الكريم وآياته، وكذا كتاباته وفتاواه.
إنتاجه:
إنَّ المكتبة العربية لتعتزُّ بما زوَّدها به من كُتب قيِّمة ممَّا أَلَّف وممَّا نَشَر، وممَّا صَحَّح ومما راجع، ومما علَّق وشرَح، من كتب الإمام ابن تيمية وابن القيم، وغيرهما.
وكما كان الشيخ محبًّا لابن تيمية وابن القيِّم، فقد جمعتْ تلك المحبَّة لهذين الإمامين الجليلين بيْنه وبيْن الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر، وكذلك جمعتْ بيْنه وبين الشيخ شلتوت، الذي جاهَر بمِثْل ما جاهَر به الشيخُ حامد - رحمه الله تعالى.
وفاته:
تُوفِّي - رحمه الله تعالى - فجرَ الجمعة 7 رجب 1378هـ، الموافق 16 يناير 1959م على إثْر عملية جراحيَّة أجراها بمستشفى العجوزة، وبعد أن نجحتِ العملية أُصيبَ بنزيف حادّ، وعندما اقترب أجلُه طلب ماءً للوضوء، ثم صلَّى ركعتي الفجْر بسورة الرَّعْد كلِّها.
وبعد ذلك طلَب مِن إخوانه أن يُنقل إلى دار الجماعة حيث تُوفي بها.
وقد نعاه رؤساءُ وعلماءُ مِن الدول الإسلاميَّة والعربيَّة، وحضَر جنازته واشترك في تشيعها مِن أصحاب الفضيلة: وزير الأوقاف، والشيخ عبدالرحمن تاج، والشيخ محمد الحسن، والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد، والشيخ أحمد حسين، وجميع مشايخ كليَّات الأزهر، وأساتذتها وعلمائها، وقضاة المحاكم.
إخوة الشيْخ:
محمَّد شيبة الحمَد، محمَّد شاكِر المحاميان، والشيخ محمد النُّعماني مِن العلماء، والحاج محمد رشيد رِضا التاجِر.
أبناؤه:
الطاهِر محمد الفقي، وسيِّد أحمد الفقي، ومحمد الطيِّب الفقي، وهو الوحيد الذي عاش بعدَ وفاة والده.
كتبه تلميذه
فتحي أمين عثمان
وكيل جماعة أنصار السنة المحمدية
[1] (مجلَّة الشبَّان المسلمين رجب 1371هـ).
[2] هما: الظاهر، وسيِّد، وقد تُوفِّي الأول وأبوه في رِحلة الحج، وأمَّا الثاني فقد مات فجرَ الجمعة ذي القعدة عام 1377هـ، فخطب الشيخ الجمعة بالناس ووعظَهم، وطلب منهم البقاءَ على أماكنهم حتى يُصلُّوا على أخيهم.
[3] هو علاَّمة الصعيد في زمانه، ورئيس فرْع أنصار السُّنَّة بسوهاج.