ضياء من الكتاب والسنة كما بينه القرآن وليس كما تتخيله الأهواء.- 1 -
بقلم الأستاذ مصطفى درويش
رئيس أنصار السنة المحمدية بسوهاج
دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية
{ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}!!
قول مدعم بالقسم ينطلق من المشركين في أرض المحشر ينفون به عن أنفسهم الشرك الذي كان منهم في حياتهم الدنيا.
وأرض الحشر بأهوالها وفزعها لا مجال فيها للنفاق حيث يرى الإنسان بعينه ما كذبه في حياته الأولى، فإذا أقسم المشركون أنهم ما كانوا مشركين فهي الفتنة واللبس الذي وقعوا فيه ...
لأنهم في حياتهم الدنيا آمنوا أن اللَّه تعالى يحيي ويميت ويخلق ويرزق ويدبر الأمر: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ .. }.
ولأنهم آمنوا في حياتهم الدنيا أن اللَّه تعالى خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
ولأنهم آمنوا في حياتهم الدنيا أن اللَّه تعالى نزل من السماء الماء فأحيا به الأرض بعد موتها: و {لئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولون اللَّه}.
ولأنهم آمنوا في حياتهم الدنيا أن اللَّه تعالى خلقهم: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولون اللَّه}.
بل وأكثر من ذلك: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله}، {قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله}.
بل وفوق ذلك آمنوا أن اللَّه تعالى هو الذي ينجي من كربات البر والبحر: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ}، {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ... }.
بل وفي غمرة اليأس وقد أحاط الهلاك بهم من كل جانب علموا ألا قيمة لأوثانهم: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ... }.
بل وفي غمرة الهلاك المحدق تذهب أصنامهم وأوليائهم إلى زوايا النسيان: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إلهي إن شاء وتنسون ما تشركون}.
لكل هذا أقسموا في أرض الحشر {والله ربنا ما كنا مشركين}!! ولكن مع كل ما صدقوا به فالوسائل عندهم هي التي تقرب إليه والوسائط هي باب الوصول إليه، والشفعاء عندهم هم سبل قضاء المصالح عندهم!! وأن حق فلان وجاه فلان وشفاعته هذا ووساطة زال هي التي توصل فاتجهوا إلى نصب الشفعاء والوسائل تعظيمًا بالأعياد والكساوي وعبادة بالدعاء والنذر والقرابين وتذللاً بالتمسح والطواف والعكوف. وقالوا: {شفعاؤنا عند اللَّه}، و {ليقربونا إلى اللَّه زلفى} ...
ومن أجل كل هذا جاء قسمهم في أرض الحشر: {واللَّه ربنا ما كنا مشركين} ما كنتم مشركين!!!؟؟؟
وماذا يكون دعاء غير الله إن لم يكن الشرك اللعين؟؟؟
وماذا تكون الاستعانة لغير الله إن لم يكن الشرك المبين؟؟؟
وماذا يكون العكوف والتمسح والأعياد والقرابين؟؟؟
أليس الله بكاف عبده.
أليس الله {قريب يجيب دعوة الداع ... }.
ألم يقل الله {ادعوني أستجب لكم}، وألم يقل لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى}، إذن ما دور الوسطاء بينه وبين عبده وهو تعالى {أقرب إليه من حبل الوريد}.
ولقد ظن المشركون أنهم كانوا على توحيد فأقسموا {والله ربنا ما كنا مشركين}. وليس هذا بمستغرب.
لقد تخيلته النصرانية واحدًا يمكن أن يحل في ثلاثة دون أن تعقد وحدانيته فالواحد ثلاثة: والثلاثة واحد!! ونادوا في معابدهم بسم الآب والابن الروح القدس ... واحد إله!!
وتخيلته الملة الفرعونية في أحد أطوارها واحدًا حل في قرص الشمس آتون. وظن بعض كتبة التاريخ البلهاء أن الفراعنة نادوا بالتوحيد في عصر إخناتون!! وإذا كان الفراعنة دعوا إلى التوحيد فهو توحيد عبادة فرعون الذي قال: {يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري}، ولقد صاح البسطامي أحد شيوخ الصوفية نفس الصيحة من بعد فقال: سبحاني ما أعظم شأني!!!